أثار البيان الأخير الصادر عن تنظيم “أنصار الشريعة“، الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، موجةً من القلق الدولي والإقليمي بعد إعلانه الصريح والمباشر دعمه سلطة بورتسودان والجيش السوداني في حربه الراهنة.
هذا التأييد العلني لم يكن مجرد عبارات تضامن عابرة، بل جاء ليعزز التقارير الاستخباراتية التي تتحدث عن تحوّل السودان إلى مغناطيس للجماعات المتطرفة تحت غطاء “الدفاع عن الهوية الإسلامية”، وهو ما يضع حكومة الأمر الواقع في بورتسودان في مواجهة مباشرة مع التزاماتها الدولية المناهضة للإرهاب.
التنسيق العابر للحدود بين القاعدة والإخوان
وكشفت مصادر أن بيان تنظيم القاعدة يمثل “صك اعتراف” بعمق العلاقة الهيكلية والتنسيق القائم بين سلطة بورتسودان وتنظيم الإخوان المسلمين في السودان.
وقالوا إن التنظيمات الجهادية لا تمنح دعمها إلا للكيانات التي تتشارك معها الأيديولوجيا والهدف النهائي المتمثل في إقامة نظم متشددة خارج إطار الدولة الوطنية الحديثة.
وأكدوا أن هذا التناغم في الخطاب يعكس استراتيجية “تبادل الأدوار”، حيث تتولى سلطة بورتسودان الواجهة السياسية والعسكرية، بينما تقوم التنظيمات الإرهابية بتصدير الخطابات التحريضية، وتجنيد المقاتلين، وتوفير الغطاء الأيديولوجي المتطرف للعمليات العسكرية.
سلطة بورتسودان في قفص الاتهام
إن ارتماء سلطة بورتسودان في أحضان الخطابات المؤيدة من القاعدة يثبت بما لا يدع مجالًا للشك خروج هذه السلطة عن إطار المنظومة الدولية المناهضة للإرهاب.
ففي الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي إلى تجفيف منابع التمويل الفكري والمادي للإرهاب، نجد أن الجيش في بورتسودان بات يعتمد بشكل علني على تحالفات مشبوهة.
هذا الدعم لا يضع السودان تحت طائلة العقوبات الدولية فحسب، بل يؤكد أن المعايير الدولية والالتزامات الأممية لم تعد ذات قيمة لدى قيادة الجيش، التي يقودها “الحرس القديم” من عناصر النظام السابق والحركة الإسلامية.
ما هي نقاط الخطر؟
تتمثل نقاط الخطر في تقويض الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في شرق أفريقيا واليمن، وتحويل الأراضي السودانية إلى ملاذ آمن لتخطيط العمليات العسكرية المتطرفة، وشرعنة العنف المسلح تحت ستار “الجهاد والاستنفار”.
جيش “البرهان” والاستعانة بالمرتزقة الأيديولوجيين
وتتزايد الاتهامات الدولية الموجهة لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالاستعانة بعناصر عابرة للحدود من تنظيمات القاعدة، وداعش، وبوكو حرام، وحتى التنسيق مع الحوثيين.
إن بيان “أنصار الشريعة” يأتي كدليل مادي يعزز هذه الاتهامات، حيث كشف عن وجود تفاهمات ميدانية وفكرية. وهذه الاستعانة لا تقتصر على الدعم المعنوي، بل تمتد لتشمل انخراط عناصر متطرفة في جبهات القتال تحت مسميات “كتائب الظل” و”المجاهدين”، مما يجعل الحرب في السودان تأخذ طابعًا طائفيًا وأيديولوجيًا يهدد بتفتيت النسيج الاجتماعي السوداني وتهديد أمن دول الجوار.
مثلث التشدد
وتتضح نقاط الالتقاء والأهداف المشتركة عند فحص تركيبة القوى المسلحة التي تقاتل بجانب سلطة بورتسودان، حيث تبرز هنا كتيبة “البراء بن مالك” ولجان “الجهاد والاستنفار” كأذرع عسكرية مباشرة للحركة الإسلامية السودانية، وهي الكيانات التي تلتقي مع تنظيم القاعدة في تكفير الخصوم السياسيين واعتماد العنف وسيلةً للوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها.
هذا التحالف الثلاثي “القاعدة – الإخوان – المجموعات المسلحة المتطرفة” يسعى إلى توسيع نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي وساحل البحر الأحمر، مما يجعل من السودان بؤرة توتر عالمية تهدد الملاحة الدولية والأمن الإقليمي.
الانعكاسات على الاستقرار الإقليمي
إن عودة نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية إلى واجهة المشهد في السودان عبر بوابة الجيش هي المحرك الأساسي لهذه التحالفات الإرهابية، فالتنظيم الدولي للإخوان يرى في بقاء سلطة بورتسودان فرصة ذهبية لاستعادة موطئ قدم له في أفريقيا، حتى لو كان ذلك على حساب التحالف مع تنظيم القاعدة.
هذا التوجه له انعكاسات سلبية كارثية على الاستقرار الإقليمي، حيث يؤدي إلى تحويل السودان إلى مركز لتصدير الفكر المتشدد لدول الجوار، واستبدال مؤسسات الدولة الوطنية بميليشيات أيديولوجية لا تؤمن بحدود الدولة، وتفاقم الأزمة الإنسانية، حيث ترفض هذه الجماعات أي حلول سلمية أو تفاوضية، مفضلةً “حرب الاستنزاف” الطويلة.
السودان في مفترق طرق
ويضع بيان تنظيم “أنصار الشريعة” المجتمع الدولي أمام مسؤولياته؛ فالتغاضي عن تغلغل التنظيمات الإرهابية في مفاصل سلطة بورتسودان سيعني بالضرورة ولادة “أفغانستان جديدة” في قلب القارة الأفريقية.
إن كشف الدعم العلني من القاعدة لجيش البرهان يمثل جرس إنذار أخير بأن الحرب في السودان لم تعد نزاعًا داخليًا فحسب، بل أصبحت جبهة مفتوحة للتنظيمات الإرهابية العالمية التي وجدت في “إخوان السودان” شريكًا مثاليًا لتنفيذ أجنداتها التخريبية.

