ذات صلة

جمع

رسائل النار.. كيف سيرد العالم على استهداف “الخوذ الزرقاء” في لبنان؟

في تصعيد ميداني وسياسي ينذر بانهيار كامل لقواعد الاشتباك...

رسائل النار.. كيف سيرد العالم على استهداف “الخوذ الزرقاء” في لبنان؟

في تصعيد ميداني وسياسي ينذر بانهيار كامل لقواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، استفاقت العواصم الكبرى على نبأ إصابة أحد جنود قوات حفظ السلام الدولية “اليونيفيل” بنيران مباشرة أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

هذه الواقعة، التي وصفتها الدوائر الدبلوماسية بـ “رسائل النار”، تضع المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة أمام اختبار هو الأصعب منذ عقود؛ فإصابة “الخوذ الزرقاء” ليست مجرد حادث حدودي عابر، بل هي اعتداء مباشر على الحصانة الدولية وخرق صارخ للقرار الأممي 1701 الذي يحكم الاستقرار الهش على طول الخط الأزرق.

تفاصيل الحادث

وفقًا للبيان الرسمي الصادر عن قيادة “اليونيفيل” في الناقورة، تعرض أحد مواقع المراقبة التابعة للقوات الدولية في القطاع الغربي لإطلاق نار استهدف برج المراقبة بشكل مباشر.

أدى هذا الاستهداف إلى إصابة جندي من الجنسية الإندونيسية بجروح نُقل على إثرها إلى المستشفى الميداني التابع للقوة.

وأكدت المصادر الميدانية، أن النيران انطلقت من دبابات إسرائيلية كانت تتحرك بالقرب من الحدود، مما يشير إلى استهداف متعمد أو على الأقل استهتار كامل ببروتوكولات التنسيق الأمني التي تفرضها الأمم المتحدة في مناطق النزاع.

الانتهاك الصارخ للقرار 1701 وحصانة الأمم المتحدة

يمثل استهداف “الخوذ الزرقاء” طعنة في قلب القرار 1701، الذي كُلف بموجبه جنود اليونيفيل بمراقبة وقف الأعمال العدائية ودعم الجيش اللبناني في بسط سلطته جنوب نهر الليطاني.

إن إصابة جندي دولي تعني عمليًا أن إسرائيل لم تعد تعترف بالمناطق “المحرمة” أو بالخطوط الحمراء الدولية.

ويرى خبراء قانونيون، أن هذا الاعتداء يصنف ضمن “جرائم الحرب” في القانون الدولي الإنساني، حيث تُمنح قوات حفظ السلام حماية خاصة تماثل حماية المدنيين، واستهدافها بشكل مباشر يضع القيادة العسكرية الإسرائيلية تحت طائلة المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ردود الفعل الدولية: بين التنديد الدبلوماسي والتحرك الفعلي

تعتبر فرنسا وإيطاليا من أكبر المساهمين بالجنود في قوة اليونيفيل. لذا، كان الرد من باريس وروما سريعاً وحازماً؛ حيث استدعت وزارتا الخارجية السفراء الإسرائيليين لتقديم احتجاج رسمي شديد اللهجة، وصرح المتحدث باسم الرئاسة الفرنسية أن “فرنسا لن تقبل بتعرض جنودها للخطر، وأن أمن الخوذ الزرقاء غير قابل للتفاوض”.

المسار الأمريكي

تجد واشنطن نفسها في موقف محرج للغاية. فبينما تدعم إسرائيل عسكريًا، لا يمكنها الصمت أمام استهداف قوة دولية تابعة للأمم المتحدة التي تمثل الولايات المتحدة أحد أركانها.

ومن المتوقع أن تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطاً “خلف الكواليس” لضمان عدم تكرار الحادث، دون الوصول إلى مرحلة فرض عقوبات علنية، وهو ما يراه البعض تشجيعًا غير مباشر لإسرائيل على الاستمرار في تجاوزاتها.

مسار الأمم المتحدة ومجلس الأمن

ودعت عدة دول لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة التهديدات التي تواجه قوات اليونيفيل. التحدي الأكبر هنا هو قدرة المجلس على إصدار بيان إدانة “بموجب الفصل السابع” أو على الأقل بيان رئاسي ملزم يضع حداً لهذه الاستهدافات، وهو ما يصطدم دائماً بـ “الفيتو” الأمريكي الجاهز لحماية إسرائيل.

أهداف إسرائيل من استهداف اليونيفيل

وترى مصادر، أن استهداف اليونيفيل ليس “خطأً فنيًا”، بل هو استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى الضغط على الأمم المتحدة لسحب قواتها من المناطق الحدودية أو دفعها للقيام بدور “أمني” ضد حزب الله يتجاوز مهامها الحالية، حيث أن إسرائيل ترغب في تحويل الجنوب اللبناني إلى ساحة حرب مفتوحة دون وجود “شهود دوليين” يوثقون الانتهاكات واستهداف المدنيين، وهو ما ترفضه قيادة اليونيفيل التي أكدت بقاءها في مواقعها رغم كل التهديدات.

تداعيات الحادث على مستقبل “اليونيفيل” في لبنان

وأكد المتحدث الرسمي باسم اليونيفيل، أن “الخوذ الزرقاء باقون في لبنان بناءً على تفويض مجلس الأمن، ولن يثنيهم الرصاص عن أداء رسالتهم”، ومع ذلك، فإن تكرار الإصابات قد يدفع بعض الدول الصغرى المساهمة بالجنود إلى مراجعة مشاركتها خوفًا على حياة أفرادها؛ مما قد يؤدي إلى إضعاف القوة الدولية تدريجيًا وتحويلها إلى “قوة رمزية” بلا فاعلية على الأرض.

العالم أمام مفترق طرق

إن إصابة جندي “اليونيفيل” بنيران إسرائيلية هي رسالة نار مفادها أن آلة الحرب لا تعترف بالحصانات، وإذا مر هذا الحادث دون رد دولي حازم يتجاوز عبارات “القلق والادانة”، فإن المجتمع الدولي يكون قد أعطى الضوء الأخضر لإنهاء دور الأمم المتحدة في مناطق النزاع، ليس في لبنان فحسب، بل في كل مكان.
إن العالم اليوم مطالب بترجمة تصريحاته إلى أفعال؛ عبر فرض منطقة عازلة حقيقية وحماية جنود السلام الذين يمثلون الضمير العالمي المتبقي في منطقة تمزقها الحروب.