دخل العراق الشهر السابع من أزمة شغور رئاسة البرلمان، وسط تعثر مستمر في التوافقات السياسية، وارتفاع مستوى الصراع بين الكتل السنية، في وقت تتابع فيه القوى الشيعية والكردية التطورات بحذر شديد لما يمثله هذا المنصب من أهمية داخل بنية العملية السياسية.
فبعد قرار المحكمة الاتحادية بإقالة الرئيس السابق محمد الحلبوسي، تحوّل المنصب إلى ساحة تنافس معقدة، تُستخدم فيها الأدوات القانونية والسياسية وحتى الإقليمية، بهدف ترجيح كفة طرف على آخر.
فراغ دستوري وسياسي يضغط على المشهد
وقالت مصادر: إنه رغم أن الدستور العراقي لا يحدد سقفًا زمنيًا ملزمًا لانتخاب رئيس جديد للبرلمان، فإن استمرار الشغور ينعكس بشكل مباشر على عمل السلطة التشريعية، ويؤخر تمرير القوانين الحساسة المرتبطة بالموازنة، والاتفاقيات الدولية، ومشاريع البنى التحتية.
كما يؤثر على دور البرلمان الرقابي، في توقيت يحتاج فيه العراق إلى أعلى درجات الاستقرار المؤسسي، خاصة مع تحضيرات الموازنة الثلاثية الجديدة، وتزايد القلق من التحديات الاقتصادية والأمنية.
وتجمع مصادر على أن استمرار غياب الرئيس يضعف صورة الدولة أمام المجتمع الدولي، ويعطي انطباعًا بوجود هشاشة سياسية داخل البيت السني، تفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية التي تحاول التأثير على مسار اختيار الرئيس الجديد.
البيت السني.. انقسام غير مسبوق
وقالت: إن أبرز أسباب تعثر انتخاب رئيس جديد هو الانقسام الحاد داخل القوى السنية، خاصة بين تحالفي “السيادة” و”تقدم”، وكل منهما يدعم مرشحًا مختلفًا، إذ يدفع فريق باتجاه إعادة إنتاج نفوذ الحلبوسي من خلال مرشحين مقربين منه، بينما يروّج الفريق الآخر لضرورة “تغيير النهج” والبحث عن شخصية توافقية لا تنتمي مباشرة إلى المعسكرين.
ويبدو أن هذا الانقسام الذي كان في البداية سياسيًا أصبح اليوم صراعًا وجوديًا حول قيادة المكوّن السني، وموقعه في الدولة العراقية ،فاختيار رئيس البرلمان لا يمثل منصبًا بروتوكوليًا، بل هو ورقة قوة تحدد شكل التحالفات للسنوات المقبلة، وتنعكس على مستقبل المحافظات المحررة من الإرهاب، وعلى ملف إعادة الإعمار، والتوازنات داخل الحكومة.
الموقف الكردي
أما القوى الكردية، فهي تراقب المشهد عن كثب، وترى في الفراغ السني فرصة للحصول على مكاسب سياسية في الملفات العالقة مع بغداد، وعلى رأسها رواتب الموظفين، وحصة الإقليم من الموازنة، وملف النفط والغاز. ولذلك يحرص الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني على تجنب الانحياز المباشر لأي مرشح، مع الإبقاء على قنوات تفاوض مفتوحة مع جميع الأطراف، لضمان دعم مصالح الإقليم في لحظة سياسية حساسة.
القضاء يدخل على الخط
كما لعبت المحكمة الاتحادية دورًا محوريًا في بداية الأزمة بقرارها المتعلق بإقالة الحلبوسي، لكنها اليوم تواجه مطالبات جديدة من بعض الكتل لتقديم تفسير دستوري حول آليات الشغور وطبيعة جلسة الانتخاب المطلوبة.
وفي حين تؤكد أغلب الآراء القانونية أن انتخاب رئيس البرلمان يجب أن يتم وفقًا لآلية التصويت السري وبأغلبية مطلقة، فإن الخلافات تتمحور حول “من يحق له الترشح” و”هل يجب أن يتم الانتخاب بجلسة مكتملة أم يمكن اعتماد النصاب النسبي؟”.
هذا الجدل القانوني يمنح كل طرف فرصة لتأويل النصوص بما يخدم مرشحه، ويجعل المحكمة جزءًا من المشهد السياسي رغم حرصها على النأي بنفسها عن التجاذبات.
الضغوط الإقليمية
لا يمكن فصل ملف رئاسة البرلمان عن التفاعلات الإقليمية، خاصة في ظل التنافس بين القوى العربية والإقليمية على تعزيز نفوذها داخل المكوّن السني. فبعض الأطراف الخارجية تدعم مرشحًا بعينه لاعتبارات تتعلق بالسياسة النفطية، أو التحالفات الأمنية، أو ضبط التوازن في المحافظات الغربية.
وتشير تسريبات سياسية إلى وجود اتصالات مستمرة بين عواصم عربية وبغداد بخصوص اسم الرئيس المقبل، في محاولة لضمان توافق لا يشعل الصراع الداخلي. لكن هذه التدخلات، بدل أن تسرّع الحل، ساهمت في تعقيده بسبب تضارب المصالح.
هل يقترب الحسم؟
وأكدت المصادر، أن المعطيات الأخيرة تشير إلى وجود ضغوط متزايدة داخل البرلمان لعدم ترك المنصب شاغرًا مع بدء التحضير للموازنة، خصوصًا أن طاولة الحوار بين الكتل السنية بدأت تنتج تفاهمات محدودة حول “المعايير” بدل “الأسماء”.
ويطرح بعض النواب مقترحًا لاختيار شخصية إدارية غير متورطة في الصراعات، تكون قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية حتى الانتخابات المقبلة لكن، رغم هذه المؤشرات، ما يزال الحسم بعيدًا ما لم تنجح القوى السنية في توحيد صفوفها ،فالقضية لم تعد مرتبطة بقرار سياسي فقط، بل ترتبط بتوازنات النفوذ وبصورة المكوّن السني في الدولة.
واختتمت المصادر، أنه حتى الآن، يبقى ملف رئاسة البرلمان العراقي مفتوحًا على كل الاحتمالات، لكن ما هو مؤكد أن القوى السياسية تدرك حجم الرهانات الضخمة المرتبطة بهذا المنصب، وأن استمرار الشغور لم يعد خيارًا مستدامًا.

