أعاد اغتيال هيثم الطبطبائي، أحد أبرز القادة العسكريين داخل حزب الله، خلط الأوراق مجددًا في المشهد الإقليمي، وفتح الباب أمام مرحلة تتسم بقدر عالٍ من الترقب داخل إسرائيل التي ترى أن رد الحزب بات مسألة تتجاوز إطار الثأر التقليدي، ليصبح اختبارًا لقدراته ونفوذه في لحظة سياسية وعسكرية شديدة الحساسية.
الضربة التي نفذت في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت لم تستهدف شخصية عسكرية فقط، بل أحد أهم العقول التنظيمية التي اعتمد عليها الحزب في إدارة عملياته خلال السنوات الأخيرة، ما يرفع مستوى التوقعات بشأن طبيعة الرد المحتمل.
إسرائيل تستشعر ثقلًا استثنائيًا للعملية
منذ الإعلان عن اغتيال الطبطبائي، دخلت المؤسسات الأمنية الإسرائيلية في حالة استعداد قصوى. فالشخصية المستهدفة لم تكن هامشية، بل ارتبطت بملفات استراتيجية داخل الحزب، من إعادة بناء قدراته العسكرية إلى إدارة مهام قتالية خارج الحدود.
الثقل يجعل التقديرات في تل أبيب تتأرجح بين سيناريوهات متعددة تتراوح بين الرد المباشر والمركب، وربما المؤجل، وهو ما يضع الجيش الإسرائيلي أمام حسابات معقدة حول الجبهة الشمالية.
سيناريو الصواريخ.. الرد الأكثر توقعًا
السيناريو الأقرب في حسابات الخبراء يتمثل في إمكانية إطلاق دفعات كبيرة من الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي.
الخيار يحمل رمزية واضحة لدى حزب الله، إذ يتيح له إظهار القدرة على تجاوز الضربات النوعية التي تستهدف قياداته، كما يختبر جاهزية منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية. ورغم أن إسرائيل تملك ترسانة متقدمة من وسائل الاعتراض، إلا أن أي وابل مكثف من الصواريخ قد يربك المنظومة ويصعد الموقف نحو مواجهة أوسع.
التسلل البري.. مخاطرة محسوبة
وجه آخر للرد قد يكون عبر عمليات تسلل محدودة إلى مواقع إسرائيلية قرب الحدود أو إلى محيطها العسكري داخل جنوب لبنان.
النوع من العمليات يحتاج إلى قدر كبير من الجهوزية، لكنه يحقق للحزب هدفًا مزدوجًا يتمثل في إحداث خسائر مباشرة ورفع منسوب الضغط على الجيش الإسرائيلي. ومع أن هذا السيناريو يحمل طابعًا مغامرًا، إلا أنه من الخيارات التي قد يستخدمها الحزب لإثبات حضوره الميداني رغم الاستهدافات المتكررة لقياداته.
امتداد ساحات المواجهة.. البعد الإقليمي
اغتيال الطبطبائي يكتسب بعدًا إضافيًا بسبب علاقته الوثيقة مع جماعات إقليمية أخرى، ما يفتح الباب أمام احتمال دخول أطراف جديدة على خط التوتر.
بعض التحليلات تتحدث عن إمكانية أن تشهد الساحة الإقليمية تحركات موازية يمكن أن تضع إسرائيل أمام أكثر من جبهة في آن واحد، خاصة أن المرحلة الراهنة تتسم بتشابك المصالح بين حلفاء حزب الله في المنطقة.
الاحتمال الأخير.. عدم الرد
رغم أن هذا السيناريو يبدو الأقل قابلية للتحقق، إلا أنه يظل خيارًا مطروحًا في الحسابات الاستراتيجية. فالحزب قد يفضل تأجيل الرد إلى توقيت يراه أكثر ملاءمة، خاصة إذا وجد أن أي خطوة انتقامية فورية قد تؤدي إلى حرب واسعة لا يرغب في خوضها في المرحلة الحالية، ومع ذلك، يدرك الجميع أن تجاهل اغتيال شخصية بحجم الطبطبائي أمر يصعب تمريره داخل بيئة الحزب الداخلية.
الأجواء في تل أبيب تعكس إحساسًا بأن الاغتيال كان خطوة كبيرة، لكن تداعياتها قد تكون أكبر. ومع غياب مؤشرات واضحة على طبيعة رد حزب الله، تبدو المنطقة على مشارف مرحلة جديدة تتسم بالقلق والترقب، حيث يمكن لأي تطور أن يغير اتجاه المشهد بالكامل، من مناوشات محدودة إلى مواجهة شاملة لا يرغب فيها أي طرف لكنها تبقى احتمالًا قائمًا بفعل حسابات القوة والثأر.

