رغم مرور أسابيع على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، فإن الهدوء الذي يخيم على القطاع يبدو أقرب إلى استراحة من الدمار منه إلى نهاية للحرب.
المشاهد التي تُرصد في شوارع غزة تكشف عن واقع مأساوي: بيوت مهدّمة، وأحياء مدمَّرة بالكامل، وشوارع تغرق بمياه الصرف الصحي نتيجة انهيار شبكات الخدمات العامة التي أصابها الخراب بعد عامين من القصف المتواصل.
ورغم الجهود المحدودة لإعادة ترميم بعض المرافق الحيوية، فإن الوضع البيئي والصحي في القطاع لا يزال على حافة الانهيار، مع انتشار الروائح الكريهة وتدفّق المياه الملوثة بين خيام النازحين.
كارثة إنسانية تتفاقم
تُقدِّر المنظمات الإنسانية أن نحو 1.5 مليون شخص في غزة يحتاجون اليوم إلى مأوى بعد أن دمّرت الحرب آلاف المنازل والبنى التحتية.
الخيام التي أُقيمت بشكل مؤقت بدأت تتآكل مع دخول فصل الشتاء، فيما تواجه الأسر النازحة خطر البرد والأمطار دون تجهيزات كافية.
المواد الغذائية والأدوية تصل بكميات محدودة جدًا، إذ لا تتجاوز نسبة الإمدادات التي تدخل القطاع 30% من الكمية المطلوبة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية بين الأطفال.
وتشير التقديرات إلى أن واحدًا من كل عشرة أطفال يعاني من سوء تغذية حاد، ما يهدد بموجة جديدة من الكوارث الصحية إذا استمر الوضع على حاله.
بنية تحتية مدمّرة وحياة مشلولة
الدمار الذي خلّفته الحرب طال كل شيء: الطرق، المدارس، المستشفيات، محطات الكهرباء والمياه.
ومعظم المستشفيات تعمل بقدرات محدودة، وتعتمد على مولدات كهربائية متهالكة وإمدادات طبية لا تكفي لعلاج آلاف الجرحى والمصابين الذين ما زالوا بحاجة إلى الرعاية.
كما تسبب تكدّس النفايات في الأحياء المأهولة بانتشار الحشرات والأوبئة، وسط تحذيرات من تفشي أمراض خطيرة مثل الكوليرا والتيفوئيد، خصوصًا مع اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الأمطار في الشوارع.
واقع اقتصادي مشلول ومعاناة يومية
توقفت عجلة الحياة في القطاع شبه كليًا، وأغلقت أغلب الأنشطة التجارية والمصانع الصغيرة أبوابها، فيما يواجه آلاف العمال انعدامًا في فرص العمل والدخل.
المساعدات الدولية، رغم قلتها، تشكّل مصدر البقاء الوحيد لغالبية الأسر، بينما تتزايد طوابير انتظار الخبز والمياه الصالحة للشرب يومًا بعد يوم.
وفي ظل غياب الكهرباء المنتظم، يعتمد السكان على وسائل بدائية للإضاءة والطهي، ما يزيد من المخاطر الصحية واحتمال وقوع حرائق عرضية داخل المخيمات المكتظة.
خطر الأوبئة يهدد ما تبقّى من الحياة
ومع دخول الشتاء، يتضاعف القلق من انتشار الأمراض بين السكان.
آلاف العائلات تعيش في خيام بلا صرف صحي أو مياه نظيفة، في حين تتراكم النفايات قرب التجمعات السكنية دون قدرة على نقلها أو التخلص منها.
المنظمات المحلية تحذر من “كارثة بيئية صامتة” قد تتحول إلى أزمة تفوق آثار الحرب ذاتها، إذا لم يتم التدخل العاجل لإصلاح شبكات الصرف الصحي وتوفير الأدوية ومستلزمات النظافة الأساسية.
ورغم وقف إطلاق النار، فإن سكان غزة يعيشون في حالة من الخوف الدائم من انهيار الاتفاق أو عودة العمليات العسكرية في أي لحظة، خاصة مع استمرار التوترات السياسية والتصريحات المتناقضة حول مستقبل القطاع.

