يشهد العراق مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الحسابات الأمنية مع التجاذبات الإقليمية، في ظل تصاعد الجدل حول الفصائل التي تمارس نشاطًا عسكريًا خارج سلطة الدولة.
وقالت مصادر: إن الملف الذي ظلّ يؤرق الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2017، عاد مجددًا إلى واجهة الأحداث مع تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى العراق، مارك سافايا، الذي شدد على رفض واشنطن لوجود جماعات مسلحة تعمل خارج سلطة الحكومة، في إشارة واضحة إلى الفصائل المدعومة من إيران.
من جانبها، رحبت الحكومة العراقية بتصريحات سافايا ووصفتها بأنها تعكس فهمًا دقيقًا لطبيعة التحديات التي تواجه العراق، لكنها أكدت أن معالجة ملف الفصائل يجب أن تتم ضمن رؤية وطنية شاملة تراعي الخصوصية العراقية وتجنّب البلاد الانقسام الداخلي.
ما هي جذور الإشكالية؟
وكشفت المصادر، أنه منذ معارك القضاء على تنظيم داعش عام 2017، تحوّلت الفصائل المسلحة إلى جزء أساسي من المشهد الأمني والسياسي، فبينما أسهمت قوات الحشد الشعبي بدور حاسم في تحرير المدن العراقية من سيطرة التنظيم، بقيت بعض الفصائل محتفظة باستقلالها المالي والعسكري، ورافضة الخضوع الكامل لأوامر القيادة العامة للقوات المسلحة، ومع مرور الوقت، أصبح هذا الواقع أداة صراع إقليمي أكثر منه مسألة داخلية.
وقالت: إن إيران تعتبر تلك الفصائل خط الدفاع الأول عن نفوذها في العراق، بينما ترى واشنطن أنها خطر محتمل على استقرار المنطقة وتهديد مباشر لمصالحها.
ما هي حسابات بغداد؟
وترى المصادر، أن بغداد تميل إلى النهج التدريجي القائم على ثلاثة مسارات رئيسية منها: أن الحكومة تسعى إلى استكمال عملية دمج الفصائل المنضبطة ضمن المؤسسات الأمنية الرسمية، خاصة في هيئة الحشد الشعبي التي أصبحت بموجب القانون جزءًا من القوات المسلحة، لكن التحدي يبقى في ضمان وحدة القيادة ومنع الازدواجية بين الأوامر الحكومية وقرارات قيادات الفصائل.
أما عن المسار الثاني وهي أن بغداد تعمل على إنشاء غرفة عمليات مشتركة تجمع وزارتي الدفاع والداخلية وهيئة الحشد، لمتابعة أي خروقات ميدانية، خصوصاً الهجمات الصاروخية على القواعد الأجنبية أو المقار الدبلوماسية، والهدف من ذلك هو تحميل المسؤولية القانونية لأي طرف يخرق أوامر القيادة، ما يعزز فكرة أن السلاح لا يمكن أن يكون خارج المحاسبة.
من يملك النفوذ الأكبر؟
وكشفت المصادر، أن المعادلة العراقية معقدة، حيث أن واشنطن تمتلك أدوات ضغط اقتصادية وأمنية قوية، من بينها المساعدات العسكرية والدعم الاستخباري ومراقبة التحويلات المالية، وبالمقابل، تمتلك إيران نفوذًا اجتماعيًا وعقائديًا متجذرًا في الجنوب العراقي وبين قيادات سياسية وعسكرية بارزة، وبين الطرفين، تحاول بغداد الحفاظ على توازن دقيق يضمن استمرار التعاون الأمني مع الولايات المتحدة من دون استفزاز طهران. لكن هذا التوازن يزداد هشاشة كلما تصاعدت المواجهات الإقليمية أو زادت الاستهدافات المتبادلة في سوريا والعراق.
وترى المصادر، أن عودة الجمهوريين إلى السلطة في واشنطن بقيادة دونالد ترامب قد تغيّر قواعد اللعبة؛ فإدارة ترامب السابقة اتبعت نهجًا أكثر صرامة تجاه الفصائل الموالية لإيران، وأعطت الضوء الأخضر لاستهداف قيادات ميدانية، كما حدث في اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس عام 2020، وبالتالي، فإن عودة ترامب إلى المشهد السياسي قد تدفع واشنطن إلى تصعيد الضغوط على بغداد لتفكيك البنية العسكرية لتلك الجماعات.
ما هي سيناريوهات التعامل مع الفصائل المسلحة؟
وأشأرت المصادر، أن السيناريو الأقرب للواقع هو الاحتواء المرحلي، حيث تستمر بغداد في دمج تدريجي للفصائل تحت سلطة الدولة مع الحفاظ على العلاقات المتوازنة مع إيران، هذا السيناريو يراهن على الوقت، وعلى تغيير البيئة الإقليمية لتقليل اعتماد الفصائل على التمويل الخارجي.
كما قالت إنه في حال تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران أو تكررت الهجمات على القواعد الأميركية في العراق، قد تتجه الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات جديدة أو تنفيذ ضربات محددة ضد قيادات ميدانية، وهو ما سيضع الحكومة العراقية في موقف حرج للغاية.
أما عن السيناريو الأخطر، قالت المصادر إذ يمكن أن يتحول النزاع على حصر السلاح إلى مواجهة مسلحة داخلية بين القوات الحكومية والفصائل الرافضة، وهو ما قد يعيد البلاد إلى دائرة الفوضى.

