في خطوة لافتة على طريق إعادة تشكيل النفوذ في شرق آسيا، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانب رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايشي، من العاصمة طوكيو، تحالفًا اقتصاديًا ودفاعيًا يهدف إلى إعادة رسم خريطة القوة في القارة الآسيوية، في مواجهة التمدد الصيني المتسارع.
الاجتماع الذي عُقد في قصر أكاساكا صباح الثلاثاء، تجاوز الطابع البروتوكولي المعتاد، ليعكس بداية مرحلة جديدة من الشراكة بين واشنطن وطوكيو، تقوم على مزيج من المصالح الاقتصادية والاعتبارات الأمنية المشتركة.
اتفاق المعادن.. سلاح في مواجهة الصين
أبرز ما خرج به اللقاء كان توقيع اتفاقين ثنائيين، أحدهما في مجال التجارة، والآخر خاص بالمعادن الحيوية والعناصر النادرة، وهي موارد تُعدّ العمود الفقري للصناعات المتقدمة، من الإلكترونيات إلى تكنولوجيا الدفاع.
وبموجب التفاهم الجديد، ستعمل الولايات المتحدة واليابان على إنشاء إطار مشترك لتأمين سلاسل التوريد للمعادن الاستراتيجية، عبر استثمارات ضخمة في التعدين والمعالجة المشتركة، بهدف كسر احتكار الصين للإمدادات العالمية.
يأتي هذا التحرك بعد أن أعلنت بكين عن تشديد قيودها التصديرية على معادن أساسية، في خطوة فسّرها المراقبون على أنها “رد جيوسياسي” على الضغوط الغربية، ما دفع واشنطن وطوكيو إلى تسريع تحالفهما لضمان أمن المواد الحيوية للصناعات الدفاعية والتقنية.
واشنطن تعيد صياغة خريطتها الآسيوية
التحرك الأمريكي لا يُقرأ فقط من زاوية اقتصادية، بل يتجاوزها إلى إعادة التموضع الاستراتيجي في منطقة تُعدّ مسرحًا رئيسيًا للمنافسة بين القوى الكبرى.
فبينما تكثف الصين حضورها في بحر الصين الجنوبي وتوسّع نفوذها في مبادرة “الحزام والطريق”، تسعى إدارة ترامب إلى بناء شبكة من التحالفات الثنائية في آسيا، تضمن من خلالها تطويق النفوذ الصيني وتثبيت أقدام واشنطن في المنطقة.
ومن المقرر أن يلتقي ترامب نظيره الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية، خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، لاستكمال النقاش حول التوازنات التجارية والاستراتيجية في القارة.
شراكة تتجاوز الاقتصاد
إلى جانب ملفات التجارة والمعادن، كشفت أجواء المباحثات عن توجه أمريكي – ياباني لتوسيع التعاون العسكري.
طوكيو، التي تعيد صياغة عقيدتها الدفاعية لأول مرة منذ عقود، ترى في واشنطن حليفًا لا غنى عنه في مواجهة تنامي القدرات العسكرية لكلٍّ من الصين وكوريا الشمالية.
أما ترامب، فيعتبر اليابان بوابة أساسية لإعادة ترسيخ الوجود الأمريكي في آسيا، في وقت تتراجع فيه واشنطن عن أعباء الانتشار العسكري المباشر وتبحث عن حلفاء قادرين على تقاسم الأعباء.
آسيا على أعتاب مرحلة جديدة
وتؤشر التحركات المتسارعة من طوكيو إلى بكين إلى بداية مرحلة جديدة في التنافس الآسيوي، فالاتفاقات التي يوقّعها ترامب اليوم ليست مجرد تفاهمات تجارية، بل أدوات استراتيجية لإعادة تشكيل التوازنات في منطقة تشهد صراعًا محمومًا على النفوذ والموارد.
وبينما تستعد العواصم الآسيوية لمواجهة تداعيات هذا التحالف الأمريكي – الياباني، يبدو أن ملامح “آسيا الجديدة” بدأت تُرسم بالفعل، بخطوط تمتد من واشنطن مرورًا بطوكيو، وصولًا إلى بكين.

