في تصريح غير معتاد، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فتح أحد أكثر الملفات حساسية في السياسة الدولية، عندما أقرّ بأن كوريا الشمالية “قوة نووية نوعًا ما”، في اعتراف يعد الأول من نوعه منذ عودته إلى البيت الأبيض.
جاء هذا التصريح على متن الطائرة الرئاسية أثناء توجهه في جولة آسيوية تشمل كوريا الجنوبية، ليشير إلى احتمال عودة الحوار بين واشنطن وبيونغ يانغ بعد سنوات من الجمود والتوتر.
الاعتراف، وإن كان مشروطًا ومخففًا بعبارة “نوعًا ما”، إلا أنه يمثل تحوّلًا واضحًا في لهجة واشنطن تجاه الدولة المعزولة، التي تصر منذ سنوات على أن امتلاكها للأسلحة النووية أصبح أمرًا واقعًا لا رجعة فيه.
رسائل بين السطور
ترامب، الذي وصف علاقته بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بأنها “جيدة جدًا”، بدا وكأنه يرسل إشارات تهدئة مدروسة، تمهيدًا لإمكانية استئناف اللقاءات المباشرة بين الطرفين.
في الوقت الذي يتحدث فيه عن “قوة نووية محدودة”، يعترف ضمنيًا بامتلاك بيونغ يانغ لترسانة من الأسلحة النووية، لكنه يترك الباب مفتوحًا أمام المفاوضات حول طبيعة هذا التسلح ومستقبله.
ورغم أن أي لقاء رسمي لم يعلن بعد، إلا أن تصريحات ترامب أوحت بأن احتمالية عقد اجتماع جديد مع كيم ما زالت قائمة، خصوصًا بعد أن لمح الزعيم الكوري الشمالي الشهر الماضي إلى أنه “منفتح على الحوار” إذا تراجعت واشنطن عن مطالبها بنزع السلاح النووي بشكل كامل.
من الخصومة إلى المصافحة
العلاقة بين ترامب وكيم لطالما اتسمت بالتناقض، ففي 2017 كانت التهديدات المتبادلة عنوان المرحلة، قبل أن تتحول المواجهة الكلامية إلى لقاءات مباشرة شهدها العالم في سنغافورة وهانوي ثم بانمونجوم عام 2019.
إلا أن المفاوضات انهارت حينها بسبب الخلاف حول حجم التنازلات النووية المطلوبة مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
ويبدو أن ترامب يسعى اليوم إلى إحياء تلك القناة الدبلوماسية المتوقفة، معتمدًا على ما وصفه بـ”التفاهم الشخصي” مع كيم، في محاولة لانتزاع تقدم رمزي يعيده إلى واجهة السياسة الدولية بوصفه القادر على إعادة بناء الجسور المقطوعة مع الدول “المارقة”.
واشنطن بين الاعتراف والإنكار
اعتراف ترامب بقدرات كوريا الشمالية النووية يضع الإدارة الأمريكية في موقف معقد، بين واقع لا يمكن تجاهله وموقف دبلوماسي رسمي يرفض منح بيونغ يانغ شرعية نووية كاملة.
الإقرار الضمني بامتلاكها أسلحة نووية يعني عمليًا الاعتراف بمكانتها كقوة إقليمية يصعب إخضاعها للضغوط التقليدية، وهو ما قد يدفع دولًا أخرى في المنطقة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، إلى إعادة النظر في سياساتها الدفاعية.
في المقابل، قد يكون هذا الإقرار جزءًا من تكتيك تفاوضي محسوب، يسعى من خلاله ترامب إلى فتح الباب مجددًا أمام اتفاق “نووي محدود” يقلص من قدرات كوريا الشمالية دون نزعها بالكامل، في صفقة تقدم للرأي العام الأمريكي كإنجاز دبلوماسي يُعيد الاستقرار لشبه الجزيرة الكورية.

