رغم تعدّد الملفات الساخنة على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، عادت الأزمة الليبية لتفرض حضورها من جديد، مع إعادة تسليط الضوء على ملف مدينة مرزق الواقعة في الجنوب الغربي، والتي تعكس تعقيدات المشهد الليبي بكل أبعاده الأمنية والسياسية والاجتماعية.
العودة إلى هذا الملف تعطي انطباعًا بأن قضية مرزق لم تُطوَ بعد، بل ظلت مؤجَّلة إلى أن وجدت طريقها مجددًا إلى طاولة البحث الأممية.
مرزق.. عقدة الجنوب الليبي
مرزق ليست مجرد مدينة حدودية تعيش على وقع الهشاشة الأمنية، بل تمثّل نموذجًا مصغّرًا للصراع الليبي الممتد منذ عام 2011.
المدينة شهدت نزاعات مسلّحة متكررة وصراعات على الهوية والموارد، ما جعلها بؤرة حسّاسة في الجنوب.
وإعادة فتح الملف اليوم تعني أن المجتمع الدولي يرى فيها مدخلًا لفهم أوسع للانقسامات التي تمزّق ليبيا، لاسيما في ظل استمرار غياب سلطة موحّدة قادرة على فرض الاستقرار.
خريطة الطريق الأممية بين الطموح والتعطيل
الاهتمام الأممي بملف مرزق يأتي في سياق أوسع يرتبط بخريطة الطريق التي أعلنتها البعثة الأممية مؤخرًا، والتي تقوم على توحيد المؤسسات، وإطلاق مسار انتخابي شامل، وتنظيم حوار مجتمعي واسع.
غير أن هذه الخطة تصطدم بعقبات متكررة، أبرزها غياب التوافق بين القوى المحلية وتضارب المصالح الإقليمية والدولية.
وفي هذا السياق، تبدو مرزق اختبارًا مصغّرًا لقدرة الأمم المتحدة على تحويل وعودها إلى خطوات عملية قابلة للتطبيق.
التدخلات الدولية والرهانات المتشابكة
إعادة فتح ملف مرزق في أروقة الأمم المتحدة يعكس إدراكًا بأن الأزمة الليبية لم تعد محصورة في الصراع على السلطة بين الشرق والغرب، بل تشمل قضايا عابرة للمناطق مثل التهريب والهجرة غير الشرعية والنزاعات القبلية.
وهذه العوامل تجعل من مرزق نقطة تماس بين مصالح قوى إقليمية ودولية عديدة، وهو ما يضع الأمم المتحدة أمام تحدّي إدارة التوازن بين هذه الأطراف من دون الإضرار بالسيادة الليبية.
الانتخابات الغائبة والقلق الشعبي
في ظل غياب موعد واضح للانتخابات، يتحوّل الاهتمام الدولي إلى قضايا جزئية مثل مرزق، باعتبارها مؤشرًا على عمق الأزمة.
ويعكس استمرار التوتر في المدينة هشاشة الوضع الأمني في الجنوب، ويؤكد أن أي عملية انتخابية مقبلة ستظل محفوفة بالمخاطر ما لم تُحل هذه النزاعات.
وهذا يضع الليبيين أمام واقع معقّد: إما التعايش مع إدارة انتقالية طويلة الأمد، أو القبول بخيارات دولية قد لا تعبّر بالضرورة عن إرادتهم الشعبية.
تحديات المرحلة المقبلة
إعادة تسليط الضوء على مرزق من قبل الأمم المتحدة قد يفتح الباب أمام مبادرات لإعادة الإعمار والمصالحة المحلية، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن فجوة واسعة بين الرؤية الدولية والتطلعات الداخلية.
فبينما تسعى المنظمة الدولية إلى دفع خريطة الطريق قُدمًا، يواجه المواطن الليبي يوميًا تحديات مرتبطة بانعدام الخدمات، وتدهور الأمن، واستمرار الانقسامات.