دخلت المواجهة مع جماعة الإخوان الإرهابية في أوروبا فصلًا جديدًا بعد قرار السلطات الفرنسية حلّ المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH)، الذي اعتبرته الاستخبارات منصة خطيرة لنشر الفكر المتشدد وتخريج أئمة يتماشون مع مشروع الإسلام السياسي.
القرار الذي أعلنه وزير الداخلية برونو ريتايو لم يكن إجراءً إداريًا عابرًا، بل خطوة استراتيجية تستهدف قلب أدوات نفوذ الإخوان الناعمة، وتبعث برسالة واضحة أن مرحلة التغاضي عن نشاطاتهم قد انتهت.
التعليم غطاء للتجنيد الأيديولوجي
منذ تأسيسه عام 1992، قدم المعهد نفسه كمؤسسة أكاديمية متخصصة في العلوم الإسلامية واللغة العربية، لكن تقارير استخباراتية فرنسية أكدت، أن دوره الحقيقي كان أبعد من التعليم، إذ مثل واجهة لشرعنة الجهاد وتخريج أئمة مؤدلجين، ما جعله أداة لاختراق المجتمع الفرنسي من الداخل.
مجلة إنترفيو الفرنسية وصفت القرار بأنه “ضربة قاصمة” لتنظيم الإخوان في فرنسا، إذ يترتب عليه إغلاق فوري، وقف الأنشطة التعليمية كافة، وتجميد الأصول المالية، وهو ما يشل إحدى أبرز أدوات الجماعة للتغلغل الناعم.
الحاجة إلى بدائل وطنية
غير أن الخطوة الفرنسية لا تعني نهاية الأزمة، بل تكشف الحاجة الملحّة إلى بدائل رسمية لتكوين الأئمة والخطباء داخل فرنسا، بما يضمن خطابًا دينيًا معتدلًا يتماشى مع قيم الجمهورية.
خبراء أكدوا أن ترك الساحة دون بدائل قد يتيح للإخوان العودة عبر واجهات جديدة، وفي هذا السياق، شدد الإمام حسن شلغومي المعروف بمناهضته للتطرف، على أن “الجمهورية حققت نصرًا كبيرًا ضد اختراق الإخوان”، لكنه طالب بتعزيز مسارات تكوين الأئمة على أسس وطنية تضمن الاستمرارية.
أوروبا على خط المواجهة
القرار الفرنسي يتقاطع مع تحركات متنامية داخل أوروبا، ففي النمسا وألمانيا وبلجيكا، تتزايد الضغوط على الجمعيات والمراكز المرتبطة بالجماعة.
كما يناقش البرلمان الأوروبي مقترحًا للتحقيق في نشاط الإخوان وقطع التمويل عن منظماتهم الفرعية، خصوصًا تلك التي تتخفى تحت واجهات شبابية وثقافية، هذا التنسيق يعكس إدراكًا متصاعدًا بأن الجماعة لا تمثل كيانًا دعويًا بريئًا، بل تنظيمًا سياسيًا عابرًا للحدود، يستغل المؤسسات الأكاديمية والخيرية لتحقيق أجندته.
رسائل سياسية صارمة
قرار باريس يحمل رسائل سياسية مزدوجة، أولها أن فرنسا لن تسمح بتحويل الدين إلى أداة سياسية تهدد قيمها، وثانيها أن مواجهة الإخوان لن تقتصر على الجمعيات المشبوهة، بل ستشمل المؤسسات التعليمية التي استخدمت كغطاء لنشر التطرف.
الدكتورة عقيلة دبيشي، رئيس المركز الفرنسي للدراسات الدولية، وصفت القرار بأنه “خطوة استراتيجية بالغة الأهمية”، مؤكدة أن تفكيك هذه المنصة سيضعف بشكل كبير قدرة التنظيم الإرهابي على تكوين شبكات نفوذ داخل المجتمع الفرنسي.
المعركة ضد جماعة الإخوان الإرهابية لم تعد محصورة في المجال الأمني، بل باتت مواجهة فكرية ومجتمعية طويلة الأمد، فرنسا بخطوتها الأخيرة دشنت مرحلة جديدة تقوم على تفكيك الأدوات الناعمة للتنظيم، من التعليم إلى الجمعيات الثقافية.