عادت الاحتجاجات لتشتعل مجددًا في شوارع عدة مدن إيرانية، مع إحياء ذكرى استشهاد مهسا أميني، في رسائل اجتماعية وسياسية متراكمة ضد منظومة السلطة.
وقد خرج متقاعدو قطاع الاتصالات، وموظفو عقود شركة النفط والغاز، إلى الشارع مطالبين بحقوق تأخر تنفيذها سنوات، في مشهد يشي بأن الغليان الشعبي بات معدنيًا ومتواصلاً، لا يقتصر على تعبير عاطفي عرضي بل يتحول إلى حركة مضادة للممارسات الاقتصادية والسياسية للنظام.
مطالب اقتصادية تتحول إلى سخط سياسي
في مريوان وبيجار، نظم متقاعدو الاتصالات مسيرات احتجاجية رفضًا لما وصفوه بـ”سيطرة مؤسسات الحرس والتنفيذ على أموالهم وحقوقهم”، مرددين شعارات تندد بالفساد وبالمصادرة المنظمة للمدخرات.
وفي عسلوية، احتشد موظفو عقود شركة “بارس” مطالبين بتطبيق أحكام قضائية تمنحهم مساواة في الرواتب والمزايا.
وما يميز هذه الاحتجاجات هو التحول الواضح من مطالب مهنية واقتصادية ضيقة إلى خطاب أوسع يضع مسؤولية الأزمات على عاتق هيمنة المؤسسة العسكرية والفساد المؤسسي.
المرأة والشباب كمحركات أساسية
ثلاث سنوات بعد وفاة مهسا أميني، يظل صوت النساء والشباب حاضرًا كقوة دافعة للاحتجاج، والنساء اللواتي أطلقن شرارة الحركة في 2022 ما زلن حاضرات في الميادين، إلى جانب أجيال شابة ترفض واقعًا اقتصاديًا وسياسيًا لم يعد مقبولًا.
وهذا التداخل بين مطالب حقوقية “حرية ومساواة” ومطالب اقتصادية “رواتب، خدمات، وظائف” يمنح الموجات الاحتجاجية أفقاً أوسع ويصعب احتواؤها بالوسائل التقليدية.
نضج تنظيمي وتوسّع شبكات المقاومة
لم تعد الاحتجاجات مجرد اندفاع عفوي، إذ تطورت آليات التنسيق بين الناشطين والفعاليات المدنية في الداخل، في وقت يستعد المناضلون في الخارج لتنظيم تظاهرات كبرى في نيويورك تزامنًا مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهذا التزامن بين الداخل والخارج، مع توظيف القضايا الإنسانية والاجتماعية، يمنح الحركة زخمًا دبلوماسيًا ويضع ضغطًا إضافيًا على النظام من جهة شرعيته الدولية.
قراءة في احتمال انهيار النظام
تراكم الأزمات الاقتصادية، وعجز المؤسسات عن توفير الخدمات، وانتشار مظاهر الفساد، إلى جانب استمرار قمع الحريات، يضع النظام تحت ضغط مركب.
ومع اقتران ذلك باندماج قطاعات واسعة من المجتمع في مسار احتجاجي واحد، تصبح توقعات “حتمية السقوط” موضوع جدل عام، القول إن سقوط النظام “حتمي” قد يظل مبالغة من الناحية الزمنية، لكن المعطيات الراهنة تؤكد أن قدرة النظام على الاستمرار كما هي مهددة بغياب حلول سياسية واقتصادية جذرية.