وافق مجلس الشيوخ الأميركي، على تعيين القاضية ومقدمة البرامج التلفزيونية السابقة جنين بيرو في منصب المدعية العامة لمنطقة كولومبيا، أحد أبرز المناصب القضائية في الولايات المتحدة؛ ما أثار جدلاً واسعًا بين الأوساط السياسية والقانونية.
أصول لبنانية وطموح قانوني مبكر
ولدت جنين بيرو عام 1951 في ولاية نيويورك لأبوين مهاجرين من لبنان، حملا معهما أحلام العيش الكريم في أميركا، وغرسا في ابنتيهما قيم الاجتهاد والطموح، ودرست القانون والتحقت بسلك القضاء مبكرًا، لتصبح واحدة من أوائل النساء اللواتي شغلن مناصب قيادية في النيابة العامة في ولاية نيويورك.
وبرز اسم بيرو على المستوى الوطني خلال سنوات عملها في الإعلام، حيث قدمت برامج قانونية وتحليلية على شاشة فوكس نيوز، من أبرزها: برنامجها الشهير “العدالة مع القاضية جانين” الذي استمر 11 عامًا، وكانت خلاله من أشد المدافعات عن الرئيس دونالد ترامب، وممن تبنوا خطابه السياسي المحافظ.
كما عُرفت بنبرتها الصارمة وآرائها الصدامية، خصوصًا فيما يتعلق بملفات الهجرة، والعدالة الجنائية، والانتخابات الأميركية، وقد اتُّهمت مرارًا بالترويج لنظريات مؤامرة لا تستند إلى أدلة.
عودة إلى القضاء بمرسوم رئاسي
وفي مايو 2025، عيّن الرئيس السابق دونالد ترامب، بيرو، بشكل مؤقت في منصب المدعية العامة لمنطقة كولومبيا، وهو منصب قضائي حساس يُشرف على مئات القضايا الفيدرالية، وذو طابع رمزي كبير داخل المنظومة العدلية الأميركية.
وفي مطلع أغسطس الجاري، صوّت مجلس الشيوخ الأميركي، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، بالموافقة النهائية على تثبيتها في المنصب بأغلبية 50 صوتًا مقابل 45، بعد ضغط مباشر من ترامب نفسه لتسريع إجراءات التصويت خلال عطلة نهاية الأسبوع.
جدلٌ سياسيٌ واسعٌ حول جنين
وأثار تعيين بيرو موجة انتقادات واسعة داخل الأوساط السياسية والقانونية، خاصة من قبل الديمقراطيين، إذ وصف السيناتور ديك دوربين، كبير الديمقراطيين في اللجنة القضائية، الخطوة بأنها “قرار سطحي”، مؤكدًا أن بيرو “لا تستوفي المعايير المهنية لتولي هذا المنصب الحساس”.
وأشار دوربين إلى دعم بيرو لادعاءات تزوير الانتخابات الرئاسية في 2020، وكتابها “كاذبون، مسرّبون، وليبراليون”، الذي حمل طابعًا دعائيًا صريحًا لصالح ترامب، وهاجم فيه خصومه السياسيين والمؤسسات الإعلامية التقليدية.
وتعرّضت بيرو سابقًا لحملة إعلامية بعدما أُدين زوجها السابق، ألبرت بيرو، في قضايا تهرب ضريبي أثناء فترة عملها كمدعية عامة، وعلى الرغم من محاولتها النأي بنفسها عن القضية، فإن قرار ترامب بإصدار عفو رئاسي عن زوجها خلال ولايته الأولى، ألقى بظلال إضافية من الشك على حيادها واستقلاليتها.
إعلاميات ترامب في واجهة السلطة
ويشير هذا التعيين إلى استمرار نمط واضح في إدارة ترامب، يتمثل في استقطاب وجوه إعلامية موالية من شبكة “فوكس نيوز” إلى مناصب حكومية رفيعة، فقد سبقت بيرو إلى ذلك شخصيات مثل’ بيت هيغسيث وزير الدفاع السابق، وشون دافي وزير النقل، وكلاهما من خلفيات تلفزيونية محافظة.
ولطالما وصف ترامب بيرو بأنها: “امرأة استثنائية، لا مثيل لها في الشجاعة والولاء”، وهو ما يفسر إصراره على منحها منصبًا بهذه الرمزية، رغم المعارضة الواسعة.
وبين مؤيديها الذين يرون فيها نموذجًا للمرأة القوية والجريئة، ومنتقديها الذين يعتبرونها “أداة سياسية”، تبقى جنين بيرو شخصية مثيرة للجدل، تعكس طبيعة الانقسام السياسي الحاد في الولايات المتحدة.