تعيش محافظة دير الزور السورية، الواقعة على الحدود مع العراق، تصعيدًا لافتًا في نشاط تنظيم “داعش”، ما يثير تساؤلات جدّية حول ما إذا كانت هذه المنطقة تتجه لتصبح مجددًا مركزًا لنشاط التنظيم بعد سنوات من إعلان هزيمته العسكرية.
وفي أقل من 24 ساعة، سُجّلت ثلاثة هجمات استهدفت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أبرزها إطلاق نار على عنصر من قوى الأمن الداخلي في قرية حوائج البومصعة بريف دير الزور الغربي، ما أسفر عن إصابته بجروح.
وفي حادث آخر، استهدفت خلايا التنظيم سيارة عسكرية تابعة لقسد في بلدة الكرامة بريف الرقة الشرقي، أُصيب خلالها أحد المقاتلين، فيما أُعلن عن توقيف أربعة أشخاص يُشتبه بضلوعهم في الهجوم.
تصاعد مقلق في العمليات
بحسب تقارير إعلامية سورية، بلغت الهجمات المنسوبة إلى “داعش” منذ مطلع عام 2025 نحو 143 عملية داخل مناطق نفوذ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، كانت النسبة الكبرى منها ما يفوق 120 عملية في دير الزور وحدها، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل أكثر من 60 شخصًا، بينهم عناصر من “قسد”، ومدنيون، وبعض مقاتلي التنظيم أنفسهم.
كما أن هذا التركيز الكثيف للعمليات في منطقة جغرافية محددة يعكس بوضوح استراتيجية التنظيم في إعادة تموضعه مستفيدًا من عوامل عدة، أبرزها: الطبيعة الصحراوية الوعرة لدير الزور، وامتدادها الحدودي مع العراق، الذي شكّل عبر السنوات منفذاً لوجستيًا لتهريب المقاتلين والأسلحة.
استعدادات دفاعية ومناورات أمريكية
في المقابل، صعّدت “قسد” من استعداداتها العسكرية، حيث نفذت تدريبات ميدانية مشتركة مع القوات الأمريكية في قاعدة قسرك شمال الحسكة، شملت استخدام ذخيرة حية وأسلحة ثقيلة.
وتهدف هذه المناورات إلى رفع مستوى الجاهزية وتعزيز التنسيق العسكري في ظل تصاعد التهديدات الأمنية، وخاصة من جانب خلايا “داعش” التي باتت تنشط بوتيرة مقلقة.
ويأتي هذا التحرك في ظل مخاوف متزايدة من تحوّل دير الزور إلى ملاذ آمن جديد للتنظيم، يعيد فيه ترتيب صفوفه وتنفيذ عمليات استنزاف لقوات الأمن في المنطقة، وهو سيناريو يعيد إلى الأذهان مرحلة التمدد السريع للتنظيم بين عامي 2014 و2016، حين استغل الفراغ الأمني ليبسط سيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق.
خطر متجدد رغم الهزيمة العسكرية
رغم إعلان القضاء على “داعش” ميدانيًا في 2019، إلا أن التنظيم لم يختفِ تمامًا، بل تحوّل إلى خلايا صغيرة تتبنى تكتيكات حرب العصابات والكمائن الخاطفة، ما يعقّد من مهمة استئصاله بالكامل.
وتُظهر التحركات الأخيرة في دير الزور أن التنظيم ما يزال قادرًا على تنفيذ عمليات نوعية، مستفيدًا من تراجع التركيز الدولي وانشغال القوى الإقليمية بأزمات أخرى.
التحديات المقبلة
وتبدو دير الزور على أعتاب موجة أمنية جديدة تتطلب استجابة متعددة المستويات، تشمل تعزيز الحضور الميداني، وتطوير آليات الرصد الاستخباراتي، والأهم، العمل على استقرار المجتمعات المحلية لمنع عودة التنظيم عبر استغلال الفقر أو الفراغ السياسي.
وفي غياب تحرك فعّال، تبقى احتمالية تحوّل دير الزور إلى بؤرة جديدة لانبعاث “داعش” قائمة، ما يهدد بنسف التوازن الهش الذي تشهده مناطق شرق سوريا منذ سنوات.