في خطوة تعكس حالة الارتباك والانقسام الداخلي، نفذت ميليشيا الحوثي حديثُا حملة اعتقالات واسعة شملت عددًا من قياداتها الميدانية وعناصر بارزة، بينهم مسؤولون ينحدرون من القيادات السلالية في محافظة صعدة، المعقل التاريخي للجماعة.
شبكة الأنفاق السرية.. العمود الفقري المهدّد
وبحسب مصادر مطلعة، جاءت هذه الاعتقالات على خلفية تسريبات أمنية خطيرة تتعلق بشبكة الأنفاق السرية التابعة للحوثيين، والتي تُعد شريانًا حيويًا لتحركاتهم العسكرية ومخازن أسلحتهم في صنعاء.
وتُشكل شبكة الأنفاق، الممتدة أسفل العاصمة صنعاء ومحيطها، العمود الفقري للبنية التحتية العسكرية للحوثيين، حيث تُستخدم هذه الأنفاق كمخازن للصواريخ والطائرات المسيّرة، ونقاط تمركز وتحرك للقيادات الميدانية، مما يجعلها عنصراً أساسياً في قدرة الجماعة على شن هجمات مفاجئة على الجبهات.
لكن هذه الميزة الاستراتيجية باتت مهددة بعد سلسلة من الضربات الجوية الأمريكية الدقيقة التي استهدفت مداخل ومخارج هذه الأنفاق، ما أسفر عن تدمير مواقع حيوية وإيقاع خسائر مادية وعسكرية كبيرة في صفوف الحوثيين.
شكوك وخلافات داخلية
لذا أشعلت الضربات الجوية الشكوك داخل أروقة الحوثيين حول وجود اختراق أمني خطير، يُرجّح أن مصدره تسريبات من داخل صفوف الجماعة، إذ اتهمت القيادة عددًا من الشخصيات التي كانت مطلعة بشكل مباشر على مواقع الأنفاق والمخازن، خاصة في صنعاء وصعدة والحديدة وعمران وذمار، بالتورط في تسريب المعلومات.
وفي المقابل، يرى مراقبون أن هذه الاتهامات قد تكون واجهة لتصفية حسابات داخلية، تهدف إلى إقصاء قيادات أصبحت عبئًا سياسيًا وعسكريًا، أو لتبرير الإخفاقات المتكررة في حماية المنشآت الحساسة.
مخاوف من انهيار المنظومة الأمنية للحوثيين
وتكشف التحقيقات الجارية حجم الأزمة الأمنية داخل الجماعة، إذ يواجه المتهمون اتهامات خطيرة تصل إلى الخيانة العظمى، وتشير المعطيات إلى أن خسارة شبكة الأنفاق تمثل ضربة قاسية للبنية العسكرية للحوثيين، وقد تفتح الباب أمام هجمات أوسع قد تُفقد الجماعة سيطرتها على مناطق حساسة في صنعاء ومحيطها.
وهذا الوضع يضعف قدرة الحوثيين على المناورة الميدانية، ويجعلهم أكثر عرضة للاستهداف في المرحلة المقبلة، في ظل تحركات أمريكية وسعودية متزايدة لملاحقة مصادر التهديد الحوثية.
تحوّل في قواعد الاشتباك
كما تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيدًا لافتًا في المواجهات العسكرية، مع تكثيف التحالف العربي والولايات المتحدة لضرباتهما ضد البنى التحتية الحوثية.
وبحسب خبراء عسكريين، فإن الضربات الدقيقة ضد شبكة الأنفاق تعكس تحولًا في قواعد الاشتباك، بات يركز على تفكيك البنية التحتية السرية بدل الاقتصار على استهداف الأهداف العلنية.
كما يعكس ذلك تقدمًا نوعيًا في القدرات الاستخباراتية، ما يعزز فرضية وجود اختراق داخلي ساهم في كشف مواقع حساسة لم تكن معروفة سابقًا.
هل تنهار المنظومة الأمنية للجماعة؟
وفي ظل ذلك، توجد سيناريوهات محتلمة عدة لتطورات الأوضاع، فالسيناريو الأول هو استمرار الاعتقالات والتصفيات الداخلية، ما قد يضعف الثقة بين عناصر الجماعة ويفاقم الانقسامات الداخلية.
والسيناريو الثاني هو إعادة هيكلة أمنية شاملة، تعتمد على قيادات جديدة موالية بشكل مطلق للقيادة العليا، في محاولة لإعادة ضبط الصفوف، والسيناريو الثالث هو استمرار الضربات الجوية الدقيقة، ما قد يؤدي إلى شلل جزئي في قدرات الجماعة على إدارة العمليات الميدانية.
هل تبدأ النهاية للعمق الاستراتيجي بين الحوثيون؟
تظهر أحداث الأسابيع الأخيرة بوضوح أن شبكة الأنفاق الحوثية لم تعد بمنأى عن الاستهداف، وأن قدرة الجماعة على الاحتفاظ بأسرارها الاستراتيجية تتضاءل يومًا بعد يوم.
وفي ظل الضغوط المتصاعدة، تواجه ميليشيا الحوثي اختبارًا صعبًا قد يحدد مستقبل قوتها العسكرية، وربما يفتح الباب أمام تغييرات جوهرية في ميزان القوى في اليمن والمنطقة.