عادت محافظة السويداء السورية إلى واجهة المشهد الأمني، بعد موجة عنف دامية أسفرت عن مقتل 64 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات بجروح خطيرة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتأتي هذه الأحداث عقب سلسلة من التوترات المتراكمة بين مسلحين دروز وعشائر بدوية، في ظل غياب فاعل لمؤسسات الدولة في المحافظة الجنوبية.
اشتباكات متجددة تهدد السلم السوري
وتُشير المعلومات، أن الشرارة انطلقت عقب اعتداء تعرّض له شاب درزي على طريق دمشق – السويداء، حيث سُلب وضُرب، ما أثار موجة غضب في أوساط أبناء السويداء، وكرد فعل، احتجز المسلحون المحليون أفرادًا من العشائر، لترد الأخيرة بهجمات انتقامية، تخللها احتجاز متبادل وقطع طرق رئيسية، أبرزها طريق دمشق – السويداء الحيوي.
ورغم محاولات سابقة لاحتواء التوتر عبر اتفاقات تهدئة في أبريل ومايو الماضيين، شهدت السويداء تصعيدًا ميدانيًا حادًا، دفع وزارة الدفاع السورية إلى إرسال تعزيزات كبيرة، شملت أسلحة ثقيلة وعشرات العناصر لدعم الحواجز الأمنية، وفي المقابل، دخلت قوات الداخلية على خط المواجهات، وسط دعوات من القيادات الروحية والوجهاء المحليين إلى التهدئة وحقن الدماء.
أزمة ثقة عميقة في الدولة
وأظهر المشهد الحالي هشاشة الثقة بين الأهالي والحكومة، إذ يرى كثيرون أن غياب المؤسسات الأمنية وترك مساحات واسعة من المحافظة دون ضبط، مهّد الطريق أمام تنامي الفوضى، وتؤكد وزارة الداخلية السورية، أن الحل الوحيد يكمن في فرض الأمن بشكل كامل وتفعيل المؤسسات المحلية، لضمان السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها.
وتشهد السويداء، المعروفة بكونها مركز تجمع الدروز في سوريا (يقدّر عددهم بـ700 ألف نسمة)، حساسية خاصة، لا سيما في ظل محاولات خارجية لإثارة النزعات الطائفية، حيث أشارت تحقيقات إعلامية إلى وجود شبكات خارجية تدعم خطاب الكراهية وتغذي النزاعات الداخلية، ما يزيد من تعقيد الأزمة ويجعل الحلول الأمنية وحدها غير كافية.
هل تنجح الدولة في إعادة بسط السيطرة؟
وللإجابة على ذلك السؤال، توجد عدة سيناريوهات، فالأول هو نجاح الحملة الأمنية الحالية في احتواء التوتر مؤقتًا، وفرض تهدئة نسبية في ظل دعم القيادات الروحية والعشائرية، لكنها قد تكون هشة دون إصلاحات هيكلية.
والسيناريو الثاني هو استمرار الفوضى وتوسع الاشتباكات، ما قد يفتح الباب أمام تدخلات إقليمية أو إعادة تنظيم المجموعات المسلحة في المحافظة، والسيناريو الثالث هو التوصل إلى صيغة تفاهم شاملة بين الحكومة ووجهاء السويداء، تتضمن خطوات إصلاحية حقيقية، مثل إعادة تفعيل دور الشرطة، وتحسين الخدمات، ومعالجة التهميش الاقتصادي والاجتماعي.
هل الحل الأمني وحده كافٍ؟
وتكشف أحداث السويداء أن الحل الأمني، رغم ضرورته في مواجهة العنف، لا يمكن أن يكون مستدامًا دون معالجة جذور الأزمة، المتمثلة في انعدام الثقة، التهميش، والفراغ المؤسسي.
وقد تهدد استمرار الاشتباكات بفتح جرح طائفي جديد في سوريا، في وقت تحاول فيه الحكومة الانتقالية تثبيت أقدامها بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر 2024.