أثار تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، باغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ردًا روسيًا ناريًا غير معتاد، في مؤشر على مدى حساسية التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط.
روسيا تحذر من “تطور كارثي” حال استخدام نووي تكتيكي ضد إيران
فتصرّيح المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، بأن مجرد التفكير في تغيير النظام في إيران “أمر غير مقبول”، مشددًا على أن أي محاولة لاغتيال خامنئي ستقابل بـ”رد سلبي للغاية” من روسيا.
وأضاف بيسكوف أن مثل هذا الاغتيال لن يُؤدي فقط إلى انهيار التوازن في إيران، بل قد يُسفر عن “ظهور مزيج متطرف لا يمكن احتواؤه”، في تحذير ضمني من احتمال تزايد نفوذ الميليشيات الأيديولوجية أو الجماعات المسلحة غير المنضبطة في أعقاب فراغ السلطة.
ولم يقتصر التحذير الروسي على قضية الاغتيال، بل شمل أيضًا التحذيرات من استخدام الولايات المتحدة لأسلحة نووية تكتيكية ضد منشآت إيرانية، حيث وصف بيسكوف مثل هذا السيناريو بأنه سيكون “تطورًا كارثيًا”، مؤكدًا أن روسيا تتابع عن كثب ما يُنشر في وسائل الإعلام الغربية حول تحضيرات عسكرية أميركية ضد إيران، خصوصًا في ظل تصاعد التهديدات المتبادلة.
وتأتي هذه التصريحات في وقت يترنح فيه التوازن الجيوسياسي الإقليمي، خصوصًا بعد الحديث الأمريكي عن مهلة دبلوماسية أخيرة لطهران، واحتمال توجيه ضربة جوية إسرائيلية لإضعاف قدراتها النووية.
بوتين يلوذ بالصمت الدبلوماسي.. وموسكو تعرض الوساطة
وعلى خلاف لهجته الحادة في أوكرانيا، رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعليق صراحة على مسألة اغتيال خامنئي، مكتفيًا بجملة مقتضبة قال فيها: “أنا لا أريد حتى مناقشة هذا الأمر”.
ورغم الصمت العلني، فإن الرسائل الروسية جاءت واضحة عبر الكرملين ووزارة الخارجية، التي أعادت طرح فكرة الوساطة بين طهران وتل أبيب، مؤكدة امتلاكها علاقات ممتازة مع كلا الطرفين، إلى جانب قدرتها على التواصل المباشر مع واشنطن.
وفي هذا السياق، سبق لروسيا أن لعبت دورًا مهمًا في صياغة الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، ولديها مصالح استراتيجية عميقة مع طهران في مجالات الطاقة، والدفاع، والاستخبارات، ما يجعل انخراطها في التصعيد الحالي أمرًا مختلفًا جذريًا عن تدخلاتها في أزمات أخرى.
سيناريو دخول روسيا على خط المواجهة.. كيف يتغير ميزان الصراع؟
لذا يفتح الحديث عن احتمال دخول روسيا عسكريًا أو استخباراتيًا على خط التوتر الإيراني الإسرائيلي يفتح الباب أمام تغيّرات كبيرة في معادلات القوة في الشرق الأوسط، فموسكو تمتلك قاعدة عسكرية في سوريا، وحضورًا قويًا في المياه الدافئة، وقد تستخدم أوراقها هناك للضغط غير المباشر على إسرائيل.
وفي حال اتسع نطاق المواجهة، فإن روسيا قد تُصعّد عبر دعم إضافي لطهران عسكريًا أو عبر تسريبات استخباراتية تسهّل الرد الإيراني، خاصة إذا شعرت أن أمن حلفائها أو مصالحها في المنطقة مهددة. كما أن سعيها لتثبيت دورها كلاعب عالمي قوي يدفعها للتمركز في الصراعات الإقليمية التي تتجاوز حدود أوكرانيا.
لماذا تخشى روسيا من فراغ السلطة في إيران؟
وبحسب مراقبين، فإن روسيا تخشى من أن أي انهيار مفاجئ في النظام الإيراني، سواء نتيجة اغتيال خامنئي أو ضربة عسكرية كاسحة، سيُدخل المنطقة في دوامة من الفوضى التي لا يمكن احتواؤها، فإيران تُعتبر بالنسبة للكرملين حائط صد استراتيجي في وجه النفوذ الأميركي، كما أنّ فراغ السلطة فيها قد يُطلق موجات نزوح، أو يعزز نشاط جماعات سنّية متطرفة معادية لموسكو، على غرار ما حدث في سوريا والعراق بعد سقوط الأنظمة.
علاوة على ذلك، فإن موسكو تعتمد جزئيًا على التحالف مع طهران في مواجهة الغرب، سواء في ملف العقوبات، أو في التعاون العسكري في سوريا وأوكرانيا، أو في مبيعات الطائرات المُسيّرة والمعدات الدفاعية.
هل تقف موسكو متفرّجة أم تدخل الحرب؟
ومع تزايد التصعيد بين إسرائيل وإيران، وتلويح واشنطن بالتصعيد العسكري، تدخل روسيا إلى المشهد كـ”رقم صعب” لا يمكن تجاهله.
وتعكس تحذيرات الكرملين الصريحة من استهداف خامنئي، وتحذيره من استخدام النووي التكتيكي، إدراكًا روسيًا لخطر أن تتحول الحرب الإسرائيلية–الإيرانية إلى حرب إقليمية مفتوحة.
ورغم أن موسكو لم تدخل عسكريًا حتى الآن، إلا أن أدواتها السياسية والاستخباراتية واللوجستية تجعل من الصعب تصور أن تظل “على الحياد” إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة.