بينما تتراجع شعبية جماعة الإخوان الإرهابية في الداخل التونسي وتتوالى محاكمات رموزها، تبدو تحركات التنظيم على الساحة الخارجية أكثر جرأة.
مع انحسار نفوذهم في الميدان، انتقلوا إلى ساحة جديدة “الإعلام الغربي”، وتحديدًا البريطاني، خطوة تعكس تغييرًا في الاستراتيجية، من المواجهة المباشرة إلى التأثير الناعم عبر المنصات الإعلامية.
غزو ناعم للمنابر اليسارية
وقد اختار الإخوان هذه المرة اللعب من داخل المؤسسات الإعلامية العريقة، مستغلين أزمات التمويل والانقسام السياسي في بعض المنابر الغربية.
الاستحواذ الأخير على مجلة “تريبيون” البريطانية، ذات التاريخ العمالي العريق، مثّل تحولا نوعيًا في توجهات التنظيم.
المجلة التي اشتهرت بتوجهاتها اليسارية ونشرها لأعمال كتاب كبار مثل: جورج أورويل، أصبحت فجأة تحت إدارة رجل أعمال محسوب على جماعة مصنفة إرهابية.
الإسلام السياسي يغير الواجهة
محمد علي حراث، الذي يقف خلف الصفقة، ليس مجرد رجل أعمال، تاريخه الطويل في تأسيس تنظيمات إسلامية متطرفة، وارتباطه بالجبهة الإسلامية في تونس، يكشف عن مساعٍ لإعادة تقديم المشروع الإخواني في عباءة إعلامية أكثر قبولًا لدى الرأي العام الغربي. إنها محاولة لتبييض الأفكار، لا أكثر.
قناة الإسلام.. الذراع الإعلامي
قناة “الإسلام”، التي يديرها نجل حراث، تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى منبر يبث خطابًا متطرفًا تحت غطاء ثقافي وديني.
وقد وقعت تحت طائلة الغرامات من السلطات البريطانية بسبب محتوى تحريضي ومعادٍ للسامية.
مع ذلك، تواصل القناة عملها، بل وتتوسع من خلال شراء منصات إعلامية أخرى، في تحدي صريح لقوانين الإعلام وتقاليده في المملكة المتحدة.
توظيف التاريخ لخدمة الأيديولوجيا
اختيار مجلة لها رمزية يسارية مثل: “تريبيون” ليس عبثيًا، الجماعة تعرف جيدًا أهمية الرموز في التأثير على الوعي الجمعي.
باستغلال تراث المجلة وتاريخها في مناهضة الفاشية، تسعى الجماعة إلى إعادة رسم صورتها كـ”ضحية” للقمع، وكمناصر لحقوق الإنسان، وهي سردية طالما استخدمتها في الغرب لتبرير أجنداتها.
وما يجري اليوم هو حلقة جديدة من تدويل المشروع الإخواني، بعد سقوطه في عدد من الدول العربية، فبدلًا من التركيز على العمل السياسي المحلي، تتجه الجماعة إلى بناء واجهات إعلامية وفكرية في أوروبا، تكون بمثابة حاضنات بديلة تساعد على إعادة الترويج لأفكارها بوسائل أكثر دهاء.
إرث من العنف في عباءة التحرر
والتنظيمات المرتبطة بالإخوان ما تزال تحمل ذات البنية الفكرية التي تمجد العنف وتسوّق خطاب المؤامرة.
ودخولها الساحة الإعلامية الغربية عبر بوابات يسارية، لا يعني تغير جوهرها، بل هو إعادة تغليف لخطابها المتطرف، في محاولة للنفاذ إلى جمهور جديد عبر أدوات مألوفة لديه.