في ظل النزاع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تشهد العاصمة الخرطوم كارثة صحية متفاقمة، حيث أعلنت وزارة الصحة السودانية عن وفاة 70 شخصًا جراء وباء الكوليرا خلال 48 ساعة فقط.
وهذا الرقم الصادم يعكس انهيارًا شبه تام في المنظومة الصحية التي تحولت إلى ساحة حرب؛ مما يزيد من معاناة السكان المدنيين.
الكوليرا تفتك بالسودانيين
ولقي 70 شخصًا حتفهم جراء الكوليرا في العاصمة السودانية، بحسب مسؤولو الصحة، وذاك بينما تكافح الخرطوم التفشي المتسارع للمرض وسط انهيار الخدمات الأساسية.
وأعلنت وزارة الصحة السودانية في ولاية الخرطوم تسجيل 942 حالة إصابة جديدة و25 وفاة، الأربعاء، غداة تسجيل 1177 حالة إصابة و45 وفاة الثلاثاء.
والثلاثاء، أعلنت الوزارة في بيان ارتفاعًا حادًا في حالات الكوليرا، موضحة أن ولاية الخرطوم شهدت وحدها 90% من الإصابات الجديدة، وعلقت عليه نقابة أطباء السودان بقولها: إن عدد الضحايا “أكبر بكثير” مع مئات الوفيات في العاصمة وحدها، لافتة إلى أنّ مستشفيات العاصمة تعاني من نقص حاد في “المحاليل الوريدية” ومصادر المياه النظيفة ومن غياب شبه تام لأجهزة التعقيم.
انتشار سريع للكوليرا وسط انهيار البنية التحتية
وتفيد تقارير رسمية وأخرى أممية، بأن حالات الإصابة بالكوليرا تجاوزت الآلاف في مناطق متعددة من العاصمة، وسط نقص حاد في المياه النظيفة والأدوية والمستلزمات الطبية، وتعمل المستشفيات العاملة شبه منهارة، والكوادر الطبية في ظروف قاسية، دون حماية أو إمدادات كافية.
وذكر تقرير سابق لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنّ 51 شخصًا لقوا مصرعهم في الأسابيع الثلاثة الأولى من مايو (أيار) في البلد الغارق في الحرب، حيث نزح 70% من السكان وأصبح 90% من محطات ضخ المياه خارج الخدمة.
كما ذكرت نقابة الأطباء، أن ما يصل إلى 90% من مستشفيات البلاد اضطرت إلى الإغلاق مؤقتا في وقت ما بسبب الاشتباكات، وقدّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أبريل (نيسان) أنّ 70% إلى 80% من المرافق الصحية في المناطق المتضررة أصبحت خارج الخدمة مؤقتًا.
اتهامات موثقة ضد الجيش السوداني بتدمير المنشآت الصحية
فيما وثقت منظمات حقوقية محلية ودولية، بينها “أطباء بلا حدود” و”هيومن رايتس ووتش”، هجمات متعمدة شنتها قوات الجيش على مستشفيات ومراكز صحية في الخرطوم وأم درمان، إما بقصف مباشر أو بتحويلها إلى ثكنات عسكرية؛ مما أدى إلى تعطيل خدماتها كليًا.
وقال تقرير “هيومن رايتس ووتش” (2024): “قوات الجيش السوداني مسؤولة عن استهداف منشآت طبية واستعمالها لأغراض عسكرية، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي”.
جهود الإغاثة تواجه عراقيل متعمدة
فيما تشير مصادر من منظمات إغاثية عاملة في السودان، أن عمليات توزيع الأدوية والمستلزمات الصحية تُواجه عراقيل متعمدة من قبل قوات الجيش، بما في ذلك اعتراض الشحنات الطبية أو مصادرتها، ما يزيد من خطورة الوضع الوبائي في البلاد.
ويعيش ملايين السودانيين اليوم في ظل تهديد حقيقي يطال حياتهم، ليس فقط بفعل انتشار الكوليرا، بل نتيجة الانهيار الكامل للبنية التحتية الصحية، وتشير التقديرات أن أكثر من 80% من المستشفيات والمراكز الطبية خرجت عن الخدمة كليًا في الخرطوم وحدها.
دعوات دولية للتحقيق وتوفير حماية للقطاع الصحي
لذا دعت منظمات أممية إلى فتح تحقيق مستقل في الجرائم المرتكبة بحق القطاع الصحي في السودان، وتوفير ممرات آمنة للعاملين في المجال الطبي، إضافة إلى إرسال مساعدات طبية عاجلة تحت إشراف دولي.
وبينما تتصاعد أعداد الوفيات بسبب الكوليرا، ومع استمرار المواجهات العسكرية، يجد الشعب السوداني نفسه بين فكي كماشة، وباء قاتل لا يجد من يتصدى له، وقوات عسكرية تتعامل مع الصحة كأداة حرب لا كحق إنساني، لذا ما يحدث اليوم في السودان ليس مجرد أزمة صحية، بل جريمة متعددة الأوجه في حق الإنسانية.