كشفت صحيفة يسرائيل هيوم الإسرائيلية، أن الإدارة الأميركية تدرس تخفيف بعض العقوبات المفروضة على إيران، في سياق مفاوضات غير مباشرة تُعقد بين الطرفين بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وتأتي هذه التطورات بعد انعقاد الجولة الخامسة من المحادثات في العاصمة الإيطالية روما، يوم الجمعة الماضي، بوساطة سلطنة عُمان.
وبحسب الصحيفة، فإن الولايات المتحدة عرضت على طهران اتفاقًا تمهيديًا يتضمن إعلانًا إيرانيًا بالتخلي عن محاولة امتلاك سلاح نووي، في مقابل خطوات مبدئية لتخفيف العقوبات الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد.
ترامب يتمسك بشروطه: لا لتخصيب اليورانيوم داخل إيران
ورغم انفتاح واشنطن على التفاوض، شدد المسؤول الأميركي الذي نقلت عنه الصحيفة على أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تتنازل خلال مفاوضات روما عن مطلبها الأساسي، وهو وقف إيران الكامل لأنشطة تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها.
وأشار أن التفاهم المحتمل ما يزال قيد النقاش، خاصة أن مسألة التخصيب تبقى العقبة الرئيسية أمام التوصل لاتفاق دائم.
المفاوضات تتقدم رغم التباينات
من جانبه، وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي جولة المحادثات الأخيرة بأنها “الأكثر مهنية”، مشيرًا أن بلاده قدمت خلالها مواقف واضحة، فيما أكدت الخارجية الإيرانية أن المفاوضات مستمرة على مستوى الفرق الفنية، رغم مغادرة المبعوث الأميركي “ويتكوف” الجلسة نظرًا لرحلة طيران مجدولة مسبقًا.
وتعد هذه المحادثات أرفع مستوى من التواصل الأميركي- الإيراني منذ الاتفاق النووي الدولي عام 2015، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018 خلال الولاية الأولى لترامب، لتبدأ بعدها مرحلة سياسة “الضغوط القصوى” من قبل واشنطن على طهران.
طهران تلوح بـ”خطة بديلة” وتتمسك بالتخصيب داخل البلاد
وفي المقابل، أبدت طهران تشكيكًا في جدوى المفاوضات إذا كان هدفها تقييد التخصيب، وقال إبراهيم رضائي، المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني: إنه “يمكن التوصل إلى اتفاق إذا كان هدف واشنطن هو منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لكن لا يمكن تحقيق ذلك إذا كان الهدف هو منع التخصيب بالكامل”.
وأشار رضائي، في تصريحات لشبكة CNN، أن إيران تستعد بالفعل لـخطة بديلة في حال فشل المحادثات، ما يعكس تحفّظ طهران على تقديم تنازلات جوهرية في الملف النووي.
وفي السياق ذاته، أكد حسين دقيقي، المستشار الأعلى لقائد الحرس الثوري الإيراني، على تمسك بلاده بمواصلة التخصيب، معلنًا استعداد إيران لتخزين المواد المُخصبة في منشآت تقع على عمق ألف متر تحت الأرض، شريطة أن تكون داخل حدود الدولة.
هل نشهد تفاهم مؤقت أم جولة تمهيدية لصدام أكبر؟
ورغم أن الحديث يدور حول “اتفاق تمهيدي”، فإن الواقع السياسي يُظهر هشاشة كبيرة في إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل ومستقر، في ظل استمرار التباينات الجوهرية بين الطرفين حول حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وضمانات عدم تطوير سلاح نووي.
وتستند إيران في موقفها إلى اتفاقية حظر الانتشار النووي (NPT) التي تسمح للدول الموقعة بالاستفادة من التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، وهو ما تستخدمه طهران كذريعة للحفاظ على أنشطة التخصيب.
ولكن في المقابل، تصر واشنطن، خصوصًا في عهد ترامب، على أن إيران لا تلتزم بالمعايير، وتُخفي أجزاء من أنشطتها.
وقد يفتح هذا الملف من جديد بابًا لصراع دبلوماسي أوسع، خاصة مع قرب الانتخابات الأميركية، التي قد تعيد تشكيل مقاربة البيت الأبيض لهذا الملف شديد الحساسية.
وتُعد جولة روما الأخيرة امتدادًا لمسار تفاوضي بدأ في مسقط بتاريخ 12 أبريل/نيسان الماضي، بإشراف سلطنة عُمان التي تلعب دور الوسيط الموثوق بين الطرفين، وقد عقدت خمس جولات حتى الآن، تخللها الكثير من الحذر والمراوغة السياسية، دون نتائج حاسمة.
ما السيناريو الأقرب بين واشنطن وطهران؟
لذا في ظل التباعد الواضح بين مواقف واشنطن وطهران، تتراوح احتمالات المستقبل القريب بين ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول هو تفاهم مؤقت لتجنب التصعيد، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا في الوقت الحالي هو اتفاق مرحلي محدود، يتيح تخفيفًا جزئيًا للعقوبات مقابل التزامات إيرانية محدودة وغير دائمة بوقف بعض الأنشطة النووية، بما يضمن بقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة حتى ما بعد الانتخابات الأميركية القادمة، هذا المسار يرضي الطرفين مؤقتًا دون حسم الخلافات الجوهرية.
أما السيناريو الثاني هو تصعيد تدريجي وعودة إلى سياسة “الضغوط القصوى”، ففي حال إذا فشلت المفاوضات في تجاوز عقبة التخصيب داخل إيران، فقد تتجه واشنطن إلى تشديد العقوبات مجددًا، مدفوعة بضغوط داخلية من الكونغرس وحلفائها الإقليميين، ما قد يدفع طهران إلى رفع مستوى التخصيب والاقتراب أكثر من “العتبة النووية”، ويعيد الأزمة إلى مربع المواجهة.
والسيناريو الثالث هو اتفاق شامل غير مرجح في المدى القريب، ورغم أهمية المسار الدبلوماسي، إلا أن التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل يشمل رفع العقوبات وعودة كاملة للاتفاق النووي يبدو مستبعدًا في الوقت الراهن، نظرًا للتوترات المتصاعدة في المنطقة، وتصاعد نفوذ التيار المتشدد داخل إيران، واعتبارات الحملة الانتخابية الأميركية.
ففي المحصلة، تبقى الخطوة التالية مرهونة بمرونة الطرفين واستعداد كل منهما لتقديم تنازلات حقيقية، لكن حتى الآن، تبدو المعادلة مائلة أكثر نحو “تهدئة تكتيكية مؤقتة”، لا تحل الأزمة ولكنها تؤجل الانفجار.