ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الأربعاء، اجتماعًا عالي المستوى لمجلسي الدفاع والأمن القومي في قصر الإليزيه، خصص بالكامل لمناقشة تصاعد نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، وتوسع حركات الإسلام السياسي في قطاعات التعليم والمجتمع والإدارة المحلية.ويأتي الاجتماع في أعقاب صدور تقرير رسمي وصف بـ”الخطير”، أعده مسؤولان حكوميان رفيعا المستوى بتكليف من الحكومة الفرنسية، وأكد أن جماعة الإخوان تُمثل تهديدًا مباشرًا للتلاحم الوطني والنظام الجمهوري في فرنسا.
مشاركة وزارية واسعة وتحذيرات من “اختراق من الأسفل”
وشارك في الاجتماع رئيس الحكومة فرانسوا بايرو، وعدد من الوزراء من قطاعات الداخلية والخارجية والاقتصاد والتعليم والرياضة، وهي قطاعات اعتبرها البيان الرسمي للإليزيه “الأكثر استهدافًا من قبل محاولات الاختراق الإخواني من القاعدة الشعبية إلى هياكل الدولة”.
وأكد بيان القصر الرئاسي أن “فرنسا تفرق بوضوح بين الإسلام كدين نحترمه، وبين الإسلاموية المتطرفة التي تقوّض أسس الجمهورية”، وأضاف أن ماكرون وجّه باتخاذ خطوات تنفيذية عاجلة لمواجهة هذه الظاهرة المتجذرة.
جماعة الإخوان تسعى لتفكيك المجتمع من الداخل
وبحسب التقرير السري الذي لم يُنشر بالكامل، فإن جماعة الإخوان المسلمين تعتمد في انتشارها على هيكلية دائرية تبدأ بـ”نواة داخلية” من الناشطين الملتزمين، محاطة بدوائر أوسع من المتعاطفين والمستوحين بأساليب الجماعة.
ورغم أن عدد الأعضاء النشطين لا يتجاوز بضع مئات، فإن التأثير الفعلي للجماعة، وفق التقرير، يتجاوز الأرقام، من خلال “مشروع سياسي دعوي” يهدف لإعادة تشكيل هوية الجالية المسلمة في فرنسا، وفرض نمط موازٍ للدولة.
وأوضح التقرير أن الجماعة تعتمد ثلاث أدوات رئيسة لتعزيز نفوذها: التعليم الخاص، والدعوة عبر المساجد، والعمل الخيري، وهو ما يُتيح لها التغلغل في المناطق الهشة اجتماعيًا، وتقديم نفسها كممثل شرعي للمسلمين في مواجهة ما تصفه بـ”الإسلاموفوبيا”.
تاريخ من التغلغل: من الستينيات إلى الواجهة السياسية
ويعود الحضور المنظم للإخوان في فرنسا إلى ستينيات القرن الماضي، حين وصل لاجئون وطلبة من مصر وسوريا وأسّسوا جمعيات دينية وثقافية، وفي ثمانينات القرن الماضي، تأسس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا – لاحقًا “مسلمو فرنسا” – كواجهة رسمية للجماعة، بجهود رموز بارزة مثل أحمد جاب الله وفيصل مولوي.
ويدار التنظيم بمنهجية سرية، ويتبع مبدأ “الازدواجية الخطابية”: خطاب علني معتدل، وآخر داخلي متشدد يُنشر في الأوساط المغلقة أو عبر وسائل التواصل باللغة العربية.
ويُشير التقرير إلى أن الجماعة باتت تملك نفوذًا فعليًا في عدد من البلديات الفرنسية، من خلال شبان منخرطين في العمل السياسي والجمعوي المحلي، ما يمنحها قدرة على التأثير في قرارات إدارية ومجتمعية.
قلق متصاعد في الدوائر الأمنية والاستخباراتية
وأفاد مستشارون للرئيس ماكرون أن الاجتماع الأمني الأخير هدفه بلورة إستراتيجية شاملة لمواجهة التهديد الناعم الذي تشكله جماعة الإخوان، ولم يتم الإعلان بعد عن توصيات الاجتماع الكاملة، مع ترجيحات بأن بعض الإجراءات ستصنّف كمعلومات سرية.
وقالت مصادر في الإليزيه إن هناك توجهًا لتصعيد الإجراءات القانونية والرقابية بحق الجمعيات والمنظمات التي يشتبه في ارتباطها بالتنظيم، كما يجري النظر في آليات تشديد الرقابة على التمويلات الخارجية التي تتلقاها بعض الكيانات الإسلامية في فرنسا.
ما الذي تعنيه هذه التحركات؟
ويتجاوز تصعيد فرنسي رسمي تجاه الإخوان الخطاب إلى خطوات عملية، فيما تعكس التجربة الفرنسية توجهًا أوروبيًا متزايدًا لكبح تمدد الإسلام السياسي، لذا بات غياب الشفافية في تمويل الجمعيات الإسلامية محور قلق أمني واستخباراتي.