شهدت العاصمة السعودية الرياض، اليوم، انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية بمشاركة قادة وممثلي أكثر من 50 دولة، يتقدمهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة تهدف إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين العالمين العربي والإسلامي والولايات المتحدة، لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية.
إعلان الرياض: خارطة طريق للتعاون المشترك
أصدر القادة المشاركون “إعلان الرياض”، الذي أكد على مكافحة الإرهاب والتطرف بالتزام مشترك بمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله وتجفيف مصادر تمويله، مع التأكيد على أن الإرهاب لا يرتبط بأي دين أو ثقافة.، وتعزيز التسامح والتعايش، حيث رفض ربط الإرهاب بأي دين، والعمل على نشر ثقافة التسامح والتعايش بين مختلف الدول والأديان والثقافات.
كما شمل على مواجهة التدخلات الإقليمية بإدانة الممارسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار، بما في ذلك دعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية الملاحة البحرية بالتأكيد على أهمية تعزيز العمل المشترك لحماية المياه الإقليمية ومكافحة القرصنة والجريمة المنظمة، وتشكيل لجان وزارية وفرق عمل لمتابعة تنفيذ مقررات القمة، وتعزيز التعاون في المجالات التنموية والعلمية.
رسائل حاسمة نحو الأمن والسلام وشراكة استراتيجية متجددة
وفي مشهد سياسي حافل بالدلالات والتفاهمات الاستراتيجية، افتتح ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، يوم الأربعاء، القمة الخليجية الأميركية في العاصمة الرياض، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة وممثلي دول مجلس التعاون الخليجي.
وشهدت القمة نقاشات معمقة حول ملفات إقليمية حساسة أبرزها: القضية الفلسطينية، والأزمة السورية، والمفاوضات النووية الإيرانية، والوضع في السودان ولبنان، في ظل تأكيد مشترك على ضرورة توسيع أطر التعاون لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية الراهنة.
ولي العهد السعودي: نحو تهدئة التوترات وتحقيق الأمن الإقليمي
وفي كلمته الافتتاحية، أكد الأمير محمد بن سلمان أن القمة تعكس الحرص على تطوير التعاون الجماعي الخليجي مع الولايات المتحدة، مشددًا على أهمية العمل المشترك لتهدئة التوترات في المنطقة.
وقال ولي العهد: “قمتنا تؤكد استمرار التعاون والتنسيق تجاه القضايا الإقليمية والدولية، ونتطلع أن تسهم في تحقيق الرخاء والاستقرار لمنطقتنا”.
وتطرق إلى عدد من الملفات الساخنة، من أبرزها: فلسطين بدعوة واضحة لوقف التصعيد في قطاع غزة والتوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية، وسوريا بإشادة بقرار ترامب رفع العقوبات، واعتبارها خطوة مهمة نحو إعادة إعمار البلاد، والسودان عبر تأكيد سعودي على السعي لوقف إطلاق نار شامل ودائم، وأوكرانيا باستعداد المملكة لمواصلة جهود الوساطة لحل الأزمة الروسية الأوكرانية.
ترامب: ملتزمون بإنهاء حرب غزة والتطبيع مع السعودية “أمر قادم”
كما أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال القمة عن التزام بلاده ببذل كل ما في وسعها لإنهاء الحرب في غزة، قائلاً: “نأمل في تحقيق الأمن والكرامة للشعب الفلسطيني، وسنعمل على تأمين الرهائن الأميركيين”.
وأكد ترامب، أن السعودية ستنضم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية “في الوقت المناسب لها”، مشيرًا أن الولايات المتحدة ستواصل جهودها لضم مزيد من الدول العربية لهذه الاتفاقيات.
فيما يتعلق بالملف السوري، أعلن ترامب رفع العقوبات عن سوريا، معتبرًا ذلك فرصة لنهضتها وازدهارها، وذلك خلال لقاء مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع قبيل القمة، كإشارة لانفتاح أميركي على تطبيع العلاقات، ولبنان عبر دعم واضح لحكومة جديدة بعيدًا عن سيطرة “حزب الله”، ومطالبة اللبنانيين بـ”تحرير بلدهم” من نفوذ الحزب.
مواقف عربية داعمة ومبادرات للتقارب
من ناحيته؛ أشاد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، بالمساعي الأميركية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، ورحب برفع العقوبات عن سوريا، واعتبر أن المباحثات النووية بين واشنطن وطهران قد تسهم في نزع فتيل التوتر بالمنطقة.
فيما شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ضرورة تجديد الخطاب الديني وتبني مقاربة شاملة لمواجهة الإرهاب، تشمل الأبعاد السياسية والأيديولوجية والتنموية، مؤكدًا على أهمية التعاون بين الدول لتحقيق الأمن والاستقرار.
كما رحب أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، لما له من أثر إيجابي على الملاحة البحرية، ودعا إلى ضرورة إقامة دولة فلسطينية وفق مبادرة السلام العربية، مؤكدًا عمق الشراكة الخليجية مع واشنطن.
وشدد نائب رئيس الوزراء العماني أسعد بن طارق آل سعيد، على أن السلام لن يتحقق دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأثنى على جهود ترامب لإعادة الأمن في البحر الأحمر، وأكد أن العلاقات مع واشنطن تهدف إلى ترسيخ الأمن والازدهار.
مجلس التعاون الخليجي: تحالف استراتيجي راسخ
ومن ناحيته، أوضح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم محمد البديوي، أن الشراكة مع الولايات المتحدة مبنية على أسس متينة من التعاون الاقتصادي والأمني.
وقال البديوي: “التحالف الخليجي الأميركي نموذج يُحتذى في العلاقات الدولية، ويستند إلى تاريخ طويل من المصالح المتبادلة”.
تحوّل في المشهد الإقليمي وعلاقات أكثر انفتاحًا
جاءت القمة الخليجية الأميركية في توقيت بالغ الحساسية، حيث تشهد المنطقة أزمات متعددة، من غزة إلى سوريا والسودان، إلى جانب تصاعد التوترات النووية بين واشنطن وطهران.
وتشير مخرجات القمة إلى تعزيز الاصطفاف الأميركي الخليجي في وجه التهديدات الإقليمية، ودعم التوجه السعودي نحو لعب دور محوري في الحلول السياسية والنزاعات، وبداية تحولات دبلوماسية أميركية تجاه دمشق وبيروت.
قرارات وتفاهمات استراتيجية
وشهدت القمة رفع العقوبات عن سوريا، وأعلن ترامب عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، في خطوة تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
ودعوة سوريا للانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، حيث حث ترامب الرئيس السوري أحمد الشراع على الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
وشهدت أيضًا صفقات اقتصادية واستثمارية توقيع صفقات استثمارية بقيمة 600 مليار دولار بين السعودية والولايات المتحدة، تشمل مجالات الدفاع والطاقة والبنية التحتية.
وتعكس مخرجات القمة التزامًا مشتركًا بين الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة بمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، من خلال تعزيز التعاون في مجالات الأمن والتنمية والتسامح، كما تؤكد القمة على أهمية بناء شراكات استراتيجية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بما يسهم في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة والعالم.