تشهد أروقة السلطة في طهران تصاعدًا حادًا لما بات يعرف إعلاميًا بـ”صراع العقارب”، وهو توصيف يعبر عن حالة الاحتراب السياسي المتسارع بين أجنحة النظام الإيراني، لا سيما عقب فشل جولة تفاوض كانت مرتقبة مع الولايات المتحدة في الثالث من مايو 2025.
الأزمة تعكس انقسامات عميقة تهدد بتآكل المنظومة الحاكمة من الداخل، وسط تصاعد الضغوط الدولية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، في مشهد بات يشير إلى هشاشة غير مسبوقة في بنية النظام.
تصدع داخلي.. اتهامات متبادلة وتباينات استراتيجية
الانقسامات داخل بنية النظام الإيراني لم تعد مقتصرة على التباين في المواقف، بل أخذت طابعًا تصادميًا مكشوفًا بين مؤسسات الحكم، وعلى رأسها الحرس الثوري والمؤسسة التنفيذية.
صحيفة “جوان”، المحسوبة على الحرس الثوري، نشرت في الرابع من مايو افتتاحية وصفت فيها مساعي الحكومة للتفاوض مع واشنطن بـ”الفخ الأمريكي” الهادف إلى دفع البلاد نحو انفجار اجتماعي.
كما حذرت الصحيفة من أن “التساهل” في التعامل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرقى إلى مستوى “التفريط في المصالح الوطنية”.
من جانبها، صحيفة “كيهان”، المعروفة بقربها من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، شنت هجومًا مماثلًا في عددها الصادر يوم 5 مايو، منتقدة بشدة السياسات الاقتصادية والدبلوماسية للحكومة.
وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة فرضت 182 عقوبة جديدة على إيران خلال 100 يوم فقط، بمعدل عقوبة كل 13 ساعة، وهو ما وصفته بأنه “تناقض سافر” بين الدعوة إلى التفاوض وتكثيف الضغوط الاقتصادية.
في المقابل، عبرت وسائل إعلام إصلاحية، مثل صحيفة “ستاره صبح”، عن موقف مغاير، داعية إلى مواصلة التفاوض كوسيلة لتفادي ما وصفته بـ”المأزق المعيشي”.
الصحيفة حذرت من انهيار اقتصادي وشيك، خاصة مع تراجع قيمة الريال بنسبة تجاوزت 30% خلال فترة قصيرة، إلى جانب انقطاعات الكهرباء المتكررة في العاصمة طهران وعدد من المدن الكبرى؛ ما تسبب في شلل شبه كامل للأنشطة التجارية والخدمية.
الضغوط الدولية.. عزلة متفاقمة ومطالب صارمة
تزامن الصراع الداخلي في طهران مع تصعيد في المواقف الدولية تجاه إيران، الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو، أعادت التأكيد على مطالبها المتعلقة بتفكيك البرنامج النووي الإيراني، ووقف تطوير الصواريخ الباليستية، وإنهاء الدعم للميليشيات المسلحة في سوريا ولبنان واليمن.
أوروبيًا، صرح وزير الخارجية الفرنسي، بأن بلاده تدرس تفعيل “آلية الزناد” لإعادة فرض العقوبات الأممية، وذلك مع اقتراب موعد انتهاء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
المحاولة الدبلوماسية الوحيدة التي صدرت عن طهران تمثلت في تغريدة لعضو فريق التفاوض عباس عراقچي على منصة “إكس”، دعا فيها إلى “موقف أوروبي متوازن”، لكن الردود جاءت فاترة، ما يعكس حجم العزلة السياسية التي تواجهها إيران في الوقت الراهن.
انفجار اجتماعي
في الداخل، تتزايد المؤشرات على اقتراب البلاد من موجة اضطرابات جديدة، الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في مدن كرج وشيراز، على خلفية أزمة الكهرباء وارتفاع الأسعار، قابلتها السلطات بحملات اعتقال طالت العشرات من الناشطين، في تكرار لنهج أمني لم يعد ينجح في احتواء الغضب الشعبي.
تشير بيانات رسمية إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، مع قفز أسعار المواد الغذائية بنسبة تجاوزت 40% خلال الأشهر الأربعة الماضية.
هذه التطورات تغذي حالة من السخط المتصاعد، في وقت تفقد فيه الحكومة السيطرة على الملفات المعيشية الأساسية، وسط تراجع قدرة البنك المركزي على التدخل، وانخفاض الاحتياطي الأجنبي إلى مستويات حرجة.
الصراع الدائر بين أجنحة السلطة في إيران لا يبدو مرشحًا للتراجع في المدى القريب، خاصة في ظل غياب رؤية موحدة لمستقبل النظام.
الصدام بين الحرس الثوري والمؤسسة الحكومية يعكس خلافًا جذريًا حول إدارة المرحلة المقبلة، وسط إدراك متزايد داخل الدوائر السياسية بأن شرعية النظام أصبحت موضع تساؤل لدى قطاعات واسعة من الشعب الإيراني.
ويرى مراقبون، أن ما يحدث داخل طهران لا يمكن فصله عن سياق إقليمي ودولي أوسع، يضغط باتجاه إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة.