لم تعد جزيرة كمران مجرد منطقة مدنية تقع في البحر الأحمر، بل أصبحت اليوم إحدى أبرز النقاط العسكرية المغلقة التي يديرها الحوثيون في اليمن، ومنذ إحكام سيطرتهم عليها، تحولت الجزيرة إلى مركز استراتيجي تُدار منه العمليات العسكرية، وسط قيود صارمة تمنع وصول أي أطراف خارجية إليها.
ومع تزايد التواجد الإيراني واللبناني في المنطقة، بات واضحًا أن الحوثيين يسعون إلى تعزيز نفوذهم البحري؛ مما يثير تساؤلات عن الأهداف الحقيقية لهذا التمركز العسكري.
كمران.. مفتاح البحر الأحمر
تتميز جزيرة كمران بموقعها الاستراتيجي قرب مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، فمن خلال السيطرة على هذه الجزيرة، يمكن للحوثيين مراقبة حركة السفن التجارية والعسكرية، وربما تهديد الملاحة الدولية عند الحاجة.
وعلاوة على ذلك، تُعد الجزيرة قاعدة مثالية لإطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ البحرية، نظرًا لقربها من الممرات البحرية الحيوية، ويبدو أن الحوثيين أدركوا هذه الأهمية، وسارعوا إلى تعزيز وجودهم العسكري فيها، معتمدين على الدعم الإيراني في عمليات التطوير والتسليح.
الوجود الإيراني واللبناني في قلب الجزيرة
وكشفت مصادر أمنية وإعلامية، أن جزيرة كمران أصبحت مقرًا لنشاط مكثف لخبراء عسكريين من إيران وحزب الله اللبناني.
ويعمل هؤلاء الخبراء على تطوير الأنظمة الدفاعية، وتقديم الاستشارات العسكرية، والمشاركة في التخطيط العملياتي؛ مما يعكس مدى عمق التعاون بين الحوثيين وطهران.
كما يتولى هؤلاء المستشارون تدريب المقاتلين الحوثيين على تقنيات حربية متقدمة، تشمل تشغيل الطائرات المسيّرة، وصناعة العبوات الناسفة البحرية، وتعزيز الدفاعات الساحلية.
وهذا الدور لا يختلف عما قام به حزب الله في لبنان أو الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا، حيث تعتمد إيران على “الوكلاء المحليين” لتعزيز نفوذها الإقليمي.
أهداف الحوثيين من عسكرة الجزيرة
لذا تحويل كمران إلى قاعدة عسكرية مغلقة لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل يأتي ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى السيطرة على البحر الأحمر؛ حيث يُعد تعزيز النفوذ البحري جزءًا من استراتيجية الحوثيين لتوسيع سيطرتهم العسكرية، وفرض واقع جديد في المنطقة البحرية الحيوية.
كما أن إدارة العمليات الميدانية بأمان، حيث يعتقد أن بعض القادة الحوثيين البارزين، مثل حسين المداني، يتخذون الجزيرة مقرًا سريًا، بعيدًا عن الاستهداف العسكري المباشر.
بالإضافة إلى استخدامها كنقطة انطلاق للعمليات الهجومية، لأن سواء لاستهداف السفن أو تعزيز جبهات الحوثيين الداخلية، يمكن أن تلعب الجزيرة دورًا مهمًا في العمليات المستقبلية.
فضلاً عن التعتيم على الأنشطة العسكرية، حيث إن فرض قيود على دخول الجزيرة ومنع التصوير يهدف إلى إخفاء الأنشطة الجارية، ومنع أي تسريبات قد تكشف طبيعة العمليات فيها.
مقارنة بمناطق يمنية أخرى.. نمط العسكرة الحوثية
ولا تعد كمران المنطقة الوحيدة التي حوّلها الحوثيون إلى قاعدة عسكرية، فقد شهدت مناطق أخرى، مثل ميناء الحديدة ومناطق الساحل الغربي، عمليات مماثلة، حيث تم تحويل المنشآت المدنية إلى قواعد عسكرية، ونشر الأسلحة الثقيلة في المناطق السكنية.
وفي صعدة، معقل الحوثيين الرئيسي، تم تطبيق نموذج مشابه، حيث أصبحت المناطق الجبلية مواقع محصنة لإطلاق الصواريخ وتخزين الأسلحة. والآن، يبدو أن كمران تتبع النمط ذاته، ولكن مع أهمية استراتيجية مضاعفة نظرًا لموقعها البحري الحساس.
ومن ثم عسكرة جزيرة كمران ليست مجرد تحرك تكتيكي، بل خطوة استراتيجية تسعى من خلالها جماعة الحوثي إلى ترسيخ نفوذها البحري بدعم من إيران وحزب الله، ومع غياب الرقابة الدولية، يبقى التخوف الأكبر من إلى أي مدى يمكن أن تستخدم الجماعة الجزيرة في تصعيد جديد يهدد الأمن الإقليمي والملاحة الدولية في البحر الأحمر.