تشهد السياسة الخارجية التركية تحولات ملحوظة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تسعى أنقرة إلى إعادة تقييم دورها الإقليمي في ظل التطورات المتسارعة، وتتجلى هذه التحولات في مواقف تركيا من الصراعات الإقليمية، وعلاقاتها مع الدول المجاورة، وسياستها تجاه القضايا الحساسة مثل اللاجئين والنزاعات المسلحة.
تأثير الحرب في غزة على علاقات أنقرة مع إسرائيل وإيران
وأثرت الحرب الأخيرة في غزة بشكل كبير على علاقات تركيا مع كل من إسرائيل وإيران، فقد قامت أنقرة بتشديد إجراءاتها التجارية ضد إسرائيل، مستخدمة الأدوات الاقتصادية للضغط على تل أبيب لوقف عدوانها على الفلسطينيين، وهذا التصعيد الاقتصادي يمثل تحولًا في نهج تركيا التقليدي الذي كان يفصل بين العلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل.
وفي المقابل، شهدت العلاقات التركية- الإيرانية نوعًا من التوافق في المواقف تجاه القضية الفلسطينية، حيث تندد الدولتان بالسياسات الإسرائيلية في غزة. هذا التوافق قد يفتح المجال لتعزيز التعاون بين البلدين في ملفات إقليمية أخرى، رغم التباينات القائمة في بعض القضايا.
التغيرات في السياسة التركية تجاه سوريا وموقفها من اللاجئين
كما تسعى تركيا إلى إعادة صياغة سياستها تجاه سوريا، خاصة بعد التغيرات السياسية في دمشق، فالتقارب التركي مع القيادة السورية الجديدة يهدف إلى معالجة التحديات الأمنية، خصوصًا فيما يتعلق بالميليشيات الكردية المسلحة في الشمال السوري.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده لدعم القيادة السورية في مواجهة هذه التحديات، مع التركيز على أهمية رفع العقوبات الدولية عن سوريا وتسهيل عودة اللاجئين.
وفيما يتعلق باللاجئين السوريين، تواجه تركيا ضغوطًا داخلية متزايدة لإعادتهم إلى بلادهم، خاصة في ظل التحسن النسبي للأوضاع في بعض المناطق السورية، وهذا التوجه يثير تساؤلات حول مستقبل ملايين اللاجئين المقيمين في تركيا وسياسات أنقرة المستقبلية في هذا الشأن.
نفوذ تركيا في ليبيا والقرن الأفريقي.. تراجع أم تعزيز؟
كما تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في ليبيا والقرن الأفريقي من خلال توسيع شراكاتها الاقتصادية والأمنية، وفي ليبيا، يأتي التقارب التركي- المصري ليعزز فرص التعاون في مجالات المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار، مما قد يسهم في تعزيز الدور التركي في المنطقة.
أما في القرن الأفريقي، فتركيا تواصل جهودها لتعميق حضورها عبر اتفاقيات اقتصادية وأمنية، كما هو الحال في النيجر، حيث تسعى للاستفادة من الفرص المتاحة دون الاصطدام بالمصالح الراسخة للقوى الدولية والإقليمية الأخرى.
الدور التركي في حرب السودان وتأثيره على توازن القوى
فيما تسعى تركيا للعب دور الوسيط في النزاع السوداني، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى السودانية، فالرئيس أردوغان عرض التوسط بين السودان والإمارات لحل الخلافات القائمة، مؤكدًا التزام تركيا بوحدة وسلامة الأراضي السودانية ومنع التدخلات الخارجية.
وهذا الدور التركي قد يسهم في إعادة تشكيل توازن القوى في السودان، خاصة إذا نجحت أنقرة في تقديم نفسها كوسيط محايد قادر على جمع الأطراف المتنازعة والتوصل إلى حلول مستدامة.
وتشير التحركات التركية الأخيرة في الشرق الأوسط إلى استراتيجية إعادة تموضع تهدف إلى تعزيز النفوذ الإقليمي لأنقرة، ومن خلال تبني مواقف أكثر حزمًا في بعض القضايا، والسعي للتقارب مع دول الجوار، وتقديم نفسها كوسيط في النزاعات، تحاول تركيا تحقيق توازن بين مصالحها الوطنية والتحديات الإقليمية المتزايدة.