في خطوة مفصلية من شأنها إعادة رسم المشهد السوري، أعلنت الحكومة السورية برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية قسد بقيادة مظلوم عبدي، عن التوصل إلى اتفاق يقضي بدمج الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا ومؤسساتها العسكرية والمدنية ضمن الدولة السورية.
الاتفاق، الذي جاء بعد مفاوضات طويلة، يُثير العديد من التساؤلات حول تأثيره على مستقبل الصراع السوري، وعلاقاته الإقليمية والدولية.
ملامح الاتفاق.. إعادة هيكلة المشهد السياسي والعسكري
يتضمن الاتفاق، وفقًا لبيان رسمي صادر عن الرئاسة السورية، بنود رئيسة عدة تهدف إلى تحقيق الاستقرار وتعزيز المصالحة الوطنية، ومنها، دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في هيكلية الدولة السورية، بما يشمل حقول النفط والغاز، المطارات، والمعابر الحدودية.
كذلك ضمان حقوق المجتمع الكردي والأقليات الأخرى في المواطنة والحقوق الدستورية، ما يفتح الباب أمام شراكة سياسية جديدة، ووقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية، وهو ما يُمكن أن يكون خطوة نحو إنهاء النزاع المسلح في البلاد.
مع تأمين عودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم الأصلية مع ضمان حمايتهم من قبل الدولة السورية، ومواجهة التهديدات الأمنية المختلفة، بما فيها الجماعات المتطرفة وبقايا النظام السابق، ورفض أي محاولات لتقسيم سوريا، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية.
ورغم الطابع الإيجابي للاتفاق، إلا أنه لم ينص بشكل صريح على حل “قسد” أو نزع سلاحها، وهو ما يفتح باب التأويل حول مستقبل هذه القوة التي طالما شكلت نقطة خلافية في الملف السوري.
هل الاتفاق يعني حل “قسد”؟
رغم الحديث عن دمج القوات العسكرية التابعة لـ”قسد” ضمن الجيش السوري، لم يُحدد الاتفاق بشكل دقيق كيفية تنفيذ هذه الخطوة، وما إذا كان سيتم نزع سلاحها بالكامل أم أنها ستعمل تحت مظلة الدولة مع احتفاظها بهيكليتها الخاصة.
في هذا السياق، صرح مظلوم عبدي، قائد “قسد”، بأن الاتفاق يضمن تمثيل جميع المكونات السورية في المنظومة الأمنية الجديدة، مشيرًا إلى أن قواته “لن تكون قوة مستقلة، لكنها ستظل قائمة في إطار الجيش السوري الجديد”.
بالمقابل، لم تُقدم دمشق توضيحًا حول وضع “قسد” داخل الجيش، وهل سيتم دمجها بشكل كامل أم سيتم الإبقاء عليها كقوة شبه مستقلة تحت إشراف الدولة.
يُعد هذا الاتفاق تطورًا استراتيجيًا قد يؤثر بشكل كبير على مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين، خاصة تركيا والولايات المتحدة.
وتعتبر أنقرة قوات سوريا الديمقراطية امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية لديها.
وبالنظر إلى أن الاتفاق ينص على “دمج المؤسسات العسكرية والمدنية للإدارة الذاتية ضمن الدولة السورية”، فإن ذلك قد يُنظر إليه كخطوة تلبي المطالب التركية بإنهاء الحكم الذاتي الكردي في سوريا.
لكن في المقابل، إذا لم يؤد الاتفاق إلى حل “قسد” بشكل كامل، فقد تظل تركيا متوجسة من استمرار النفوذ الكردي، لا سيما في المناطق القريبة من حدودها.
كانت واشنطن الداعم الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية خلال الحرب ضد تنظيم داعش، ولكن مع إعادة دمج هذه القوات في الدولة السورية، قد تتراجع الحاجة إلى الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا.
وبحسب تقارير دولية، فإن إدارة الرئيس الأمريكي تفكر في تقليص وجودها العسكري في سوريا إذا ما تم تنفيذ الاتفاق بشكل يضمن استقرار المنطقة، ما قد يؤدي إلى تحولات استراتيجية في الموقف الأمريكي من الأزمة السورية.
رغم أهمية الاتفاق، إلا أن تنفيذه على أرض الواقع لن يكون سهلًا، إذ تُواجهه العديد من التحديات، أبرزها، إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية، خصوصًا في ظل وجود توترات سابقة بين قوات “قسد” والجيش السوري.
ومدى استعداد القوى الكردية للتخلي عن الحكم الذاتي لصالح حكومة دمشق، خاصة مع عدم وضوح طبيعة الحكم الإداري الجديد.