في خطوة تعكس النهج المستمر لميليشيا الحوثي في السطو على المال العام، أقدمت الجماعة على إسقاط مرتبات موظفي الدولة في القطاعين العام والمختلط بمناطق سيطرتها، تحت ذريعة ما يسمى بـ”الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة المرتبات وحل مشكلة صغار المودعين”.
هذه الخطوة ليست إلا امتدادًا لسلسلة من الجرائم المالية التي كرّست نهج الإفقار والتجويع بحق اليمنيين منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014.
ست سنوات بلا رواتب.. والنهب مستمر
ومنذ عام 2016، حُرم مئات الآلاف من الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين من رواتبهم، في ظل استمرار تدفق الإيرادات المالية الضخمة للجماعة من الضرائب والجمارك والمساعدات الدولية، التي تحول جلها لتمويل “المجهود الحربي” وإثراء القيادات الحوثية بدلاً من دفع أجور العاملين في القطاع العام.
وتجاهلت الميليشيا منذ 2018 دفع الرواتب المتأخرة للموظفين، في تحد صارخ لاتفاق ستوكهولم الذي نص على تخصيص إيرادات ميناء الحديدة لصرف رواتب الموظفين الحكوميين.
ورغم استمرار تدفق الإيرادات، إلا أن الحوثيين استخدموا تلك الأموال لتعزيز نفوذهم العسكري وإحكام قبضتهم على المناطق الخاضعة لهم، بينما تتزايد معاناة المواطنين الذين باتوا عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية.
“حوثنة” الوظائف وإقصاء الكفاءات
إلى جانب نهب المرتبات، اتجهت الميليشيا إلى إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وفق أسس طائفية، حيث أزاحت آلاف الموظفين الحكوميين المؤهلين واستبدلتهم بعناصر موالية لها.
هذه السياسة لم تقتصر على المؤسسات المدنية فقط، بل امتدت إلى قطاعي التعليم والصحة؛ مما أدى إلى تدهور الخدمات العامة وتفاقم الأوضاع المعيشية في البلاد.
وبحسب تقارير دولية، فإن أكثر من 30 ألف موظف في القطاع الصحي وحده يعانون من انقطاع الرواتب بشكل متكرر، مما انعكس سلبًا على تقديم الخدمات الطبية، وفاقم من معاناة ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على هذه المرافق.
لا تعد هذه الجريمة المالية الأولى من نوعها، فقد سبق للميليشيا أن استولت على الاحتياطي النقدي في البنك المركزي بصنعاء بعد سيطرتها على العاصمة، كما فرضت ضرائب وإتاوات باهظة على التجار والمواطنين تحت مسميات متعددة، أبرزها دعم “المجهود الحربي”.
وفي الوقت الذي تتذرع فيه الجماعة بعدم توفر الموارد لدفع رواتب الموظفين، كشفت تقارير اقتصادية، أن الحوثيين جنوا مليارات الريالات سنويًا من تجارة النفط الإيراني، وعمليات السوق السوداء، ونهب المساعدات الدولية، التي تحوَّلت إلى مصدر تمويل أساسي لأنشطتهم العسكرية.
معاناة مستمرة.. وحلول غائبة
أمام هذا الواقع، يبقى ملايين اليمنيين عالقين في دوامة الفقر والحرمان، في ظل غياب أي بوادر لإنهاء أزمة الرواتب المستمرة منذ سنوات.
وبينما يواصل الحوثيون استغلال الأزمة لابتزاز المجتمع الدولي، يظل الموظفون الحكوميون وأسرهم يدفعون الثمن الأكبر لفساد ونهب هذه الجماعة، التي حوّلت مؤسسات الدولة إلى أدوات لتمويل حروبها على حساب قوت المواطنين.