يُعاني القطاع الصحي في اليمن من أزمة إنسانية غير مسبوقة، تفاقمت بسبب الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها الحوثيون ضد الأطباء والممارسين الصحيين، فبين الاعتقالات التعسفية والضغوط السياسية والاقتصادية، أصبح العاملون في المجال الصحي هدفًا مباشرًا للميليشيات، مما يُهدد بتدهور الخدمات الصحية وزيادة معاناة المدنيين.
انتهاكات الحوثيين ضد الأطباء
تم توثيق عشرات الحالات لأطباء وممرضين تم اعتقالهم بشكل تعسفي من قبل الحوثيين، خاصة في مناطق مثل صنعاء وذمار وإب، ومن بين هذه الحالات، طبيب أطفال تم اعتقاله لرفضه توفير علاج لمسؤول حوثي دون دفع تكاليفه، وآخر تم احتجازه لاتهامه بالتعاون مع جهات معارضة، وفي إحدى الحالات الصادمة، تم اعتقال جراح يمني مشهور بعد رفضه إجراء عملية جراحية لمقاتل حوثي دون وجود ضمانات مالية.
كما يستغل الحوثيون الأطباء لتقديم خدمات طبية مجانية لمقاتليهم وعائلاتهم، مع تهديدهم بالاعتقال أو الإغلاق إذا رفضوا، ويتم ابتزاز الأطباء للحصول على أموال أو موارد مالية تحت تهديد الاعتقال أو الإغلاق، ويعتبر الحوثيون بعض الأطباء تهديدًا بسبب نشاطهم السياسي أو انتقادهم لسياسات الميليشيا.
شهادات وأرقام
ووفقًا لتقارير منظمة “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات محلية، تم اعتقال أكثر من 50 طبيبًا وممارسًا صحيًا خلال العام الماضي فقط. ولا يزال العديد منهم قيد الاحتجاز دون محاكمة، وتُشير التقارير إلى أن أكثر من 30% من المرافق الصحية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين تعرضت لإغلاق جزئي أو كلي بسبب نقص الكوادر الطبية.
وسبق أن قال طبيب يمني من صنعاء (فضل عدم الكشف عن اسمه): “تم اعتقالي لمدة أسبوعين بعد رفضي إجراء عملية لمقاتل حوثي. تعرضت للتعذيب النفسي والتهديد بإغلاق عيادتي إذا لم أستجب لطلباتهم”.
وأكدت ناشطة قالت: “الأطباء أصبحوا بين مطرقة الخدمة الإنسانية وسندان القمع الحوثي. الكثيرون هاجروا خوفًا على حياتهم”.
تفاقم الأزمة الصحية
لذا أدى اعتقال وهجرة الأطباء إلى تفاقم الأزمة الصحية، حيث يعاني المدنيون من نقص حاد في الخدمات الطبية، خاصة في ظل انتشار الأمراض مثل الكوليرا والملاريا، أصبحت المستشفيات تعتمد على عدد محدود من الأطباء، مما أدى إلى انهيار جودة الخدمات وزيادة الوفيات.
وفبل أيام، كشفت مصادر عاملة في القطاع الصحي الخاضع لجماعة الحوثيين في اليمن، عن تفشي موجة جديدة من الأوبئة؛ في مقدمها البلهارسيا والعمى النهري وسط حالة من الإهمال وغياب المكافحة وتدهور القطاع الصحي.
وكشفت المصادر عن ظهور بلاغات وتقارير تفيد بتسجيل نحو 30 ألف إصابة جديدة بمرض البلهارسيا و18 ألف إصابة بالعمى النهري خلال العشرة الأسابيع الماضية، في 6 مدن خاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، هي: ريف صنعاء، وإب، والمحويت، وريمة، والحديدة، وتعز.
وتعرضت حالات عدة للوفاة جراء الإصابة بتلك الأمراض، نتيجة عدم تلقيها الرعاية الطبية اللازمة بفعل تدهور القطاع الصحي، وتوقف حملات مكافحة الأمراض المعدية في أغلب مناطق قبضة الحوثيين.
وحذَّر عاملون صحيون من كارثة صحية يُواجهها السكان في المناطق التي تحت سيطرة الانقلابيين، في ظل استمرار منع الجماعة اللقاحات وحملات المكافحة، بالإضافة إلى الفساد والنهب المنظم في معظم المرافق الصحية.
ومع استمرار استهداف الأطباء، يتوقع أن يزداد نقص الكوادر الطبية، مما سيُؤدي إلى انهيار كامل للقطاع الصحي في بعض المناطق، فضلًا عن ارتفاع تكاليف العلاج بسبب نقص الأطباء والمعدات الطبية.
سيناريوهات مستقبلية
وفي ظل استمرار تلك الأوضاع المخيفة، توجد سيناريوهات محتملة عدة، أولها استمرار هجرة الأطباء والممارسين الصحيين إلى الخارج، مما سيُؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية وزيادة الاعتماد على المنظمات الدولية، والسيناريو الثاني هو تصاعد الاحتجاجات المحلية ضد الحوثيين بسبب تدهور الخدمات الصحية، مما قد يُؤدي إلى مواجهات عنيفة.
أما السيناريو الثالث هو تدخل دولي لإنقاذ القطاع الصحي، لكنه قد يُواجه عقبات بسبب تعقيدات الوضع السياسي في اليمن.
لذا فإن استهداف الحوثيين للأطباء والممارسين الصحيين ليس فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، ولكنه أيضًا تهديد مباشر لحياة ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على الخدمات الصحية، وإذا استمرت هذه الانتهاكات، فإن القطاع الصحي في اليمن قد يشهد انهيارًا كاملًا، مما سيزيد من معاناة الشعب اليمني ويُؤدي إلى كارثة إنسانية يصعب احتواؤها.