تنفيذًا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، الذي جرى سريانه في 19 يناير الماضي، بدأت القوات الإسرائيلية، منذ أمس، الانسحاب من محور نتساريم في قطاع غزة.
ما أسباب انسحاب إسرائيل من نتساريم؟
أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الأحد، أنه انسحب بالكامل من هذا المحور الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها، وفق ما أفادت هيئة البث الإسرائيلية، وذلك في اليوم الـ 22 من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
فيما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت، إن المواقع المزمع إخلاؤها تقع شرق شارع صلاح الدين؛ مما يعني أن الجيش الإسرائيلي لن يبقى على أي وجود له في وسط وشمال قطاع غزة، باستثناء قوات الفرقة 162 التي تنتشر على طول المنطقة العازلة قرب الحدود، موضحة أنه سيظل الوجود العسكري الإسرائيلي مقتصرًا في الوقت الحالي على محور فيلادلفيا جنوبي قطاع غزة.
وأضافت: أن إخلاء نتساريم يعني عدم تواجد الجيش الإسرائيلي شمال القطاع، مضيفة أن المحور كان عنصرًا مهمًا بالنسبة لطموحات المستوطنين الراغبين في العودة والاستيطان شمال القطاع.
وجاءت عملية الانسحاب بعد نحو عام و3 أشهر من توغل الفرقة 36 الإسرائيلية في تلك المنطقة، باتجاه البحر، قاطعًا الطريق بين شمالي قطاع غزة وجنوبه، حيث تسبب في دمار واسع بالمنطقة المحيطة بالمحور، في حين تستمر إجراءات تفتيش المركبات المتجهة إلى شمالي غزة على شارع صلاح الدين، تحت إشراف عناصر أمن أميركيين ومصريين وقطريين.
أهمية محور نتساريم
يعتبر محور نتساريم هو ممر يفصل مدينة غزة وشمالها عن المنطقة الوسطى وجنوب قطاع غزة، سمي على اسم مستوطنة كانت قائمة قبل 2005 في مكانه، وأطلق عليه مفرق الشهداء لكثرة الشهداء الذين توفوا فيه خلال الأيام الأولى من انتفاضة الأقصى، بينهم الطفل محمد الدرة، وسائق الإسعاف بسام البلبيسي.
يرتبط اسم الممر بمستوطنة نتساريم الإسرائيلية السابقة، التي كانت قائمة في المنطقة ذاتها قبل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، وخلال الأيام الأولى من حرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على خلفية هجمات 7 أكتوبر 2023 أُجبر سكان شمال غزة على النزوح جنوبًا عبر ممر نتساريم في خطوة كان يُعتقد أنها جزء من مخطط بعيد المدى لتقسيم القطاع إلى منطقتين، وإنشاء منطقة عازلة تمنع تكرار هجمات محتملة.
وبحسب تصريحات مصادر عسكرية إسرائيلية لصحيفة “هآرتس”، يمثل الممر عنصرًا أساسيًا في رؤية الاحتلال لمراقبة تحركات الفلسطينيين داخل القطاع، فتم منعهم من العبور إلى نتساريم بعدما أقيمت عليه قواعد عسكرية للتحكم في التنقل بين شمال غزة وجنوبها، بالإضافة إلى كونه نقطة انطلاق رئيسية للعمليات البرية في القطاع.
وبعد أن بات خاليًا من الوجود العسكري للاحتلال ما يمثل هزيمةً استراتيجية له، كونه ممرًا حيويًا يشق قطاع غزة، بالامتداد من الحدود الإسرائيلية شرقًا وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط غربًا.
وتعود جذور المحور إلى خطة إسرائيلية وُضعت في أوائل سبعينيات القرن الماضي، عُرفت باسم “خطة الأصابع الخمسة”، والتي هدفت إلى تقسيم غزة لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على القطاع، إذ يعبر الجزء الجنوبي من مدينة غزة بطول يقارب 7 كيلومتر.
وبرزت أهميته بشكل واضح خلال الحرب الأخيرة، فوفقًا لتصريحات وزير إسرائيلي لشبكة “سي إن إن” الأمريكية مطلع العام الجاري، فإن هذا الطريق يسمح بالسفر من نقطة “كيبوتس بئيري” التي كانت هدفًا لهجمات السابع من أكتوبر 2023، إلى ساحل غزة في غضون 7 دقائق فقط.
تداعيات الانسحاب الإسرائيلي
مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من المحور سرعان ما ظهرت تبعياته، حيث شهدت حركة النزوح أو العودة كثافة واضحة نحو شمال القطاع المدمر، بعد أشهر من الحرب الإسرائيلية الدامية، إذ أن المركبات تسير بسلاسة في محور نتساريم بعد الانسحاب الإسرائيلي بشكل سلس في الاتجاهين مع وجود مراقبين أميركيين ومصريين.
كما أن شركات أمن أميركية خاصة تشرف على الفحص الأمني للعائدين عبر نتساريم لمنع تسلل الأسلحة إلى شمال غزة.
بدورها، قالت حركة حماس: إن الانسحاب الكامل لقوات الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم هو “استكمال لفشل أهداف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني”.
وأضافت -في بيان-، أن “عودة النازحين واستمرار تبادل الأسرى والانسحاب من نتساريم دحضت كذبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتحقيق النصر الكامل”، لافتة أن “محاولات إسرائيل بسط سيطرتها على قطاع غزة وتقسيمه باءت بالفشل أمام بسالة المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني”.
ما تأثير الانسحاب على إسرائيل؟
وأكد خبراء استراتيجيون، أن ذلك سيسهل حركة المواطنين، خاصة في ظل الحصار الذي فُرض بفعل سيطرة الاحتلال على المحور، وإعادة السيطرة جزئياً إلى الفلسطينيين.
وأوضحوا، أن الانسحاب ليس مجرد خطوة عسكرية، بل يحمل أبعادا سياسية وإستراتيجية، إذ يعكس إخفاق الرؤية الإسرائيلية تجاه غزة، ويؤكد أن إرادة المقاومة والتفاوض يمكن أن تفرض معادلات جديدة على الأرض.
وأشاروا أن قولت الاحتلال حاولت ترسيخ وجودها الدائم في المنطقة، لكنها اضطرت للتراجع تحت وطأة المعارك وضغوط الاتفاقات السياسية، بعد أن أقامت به 4 مواقع رئيسية مدعومة بـ4 أخرى مساندة.
وقال الخبير العسكري والاستراتيجي والمستشار بكلية القادة والأركان في مصر، حرب أسامة محمود كبير، في تصريحات تلفزيونية: إنه يمكن اعتبار هذا الأمر “خسارة عسكرية للجيش الإسرائيلي من منطلق أن الهدف الاستراتيجي الخفي والأسمى من احتلال هذا المحور، الذي نال شهرة كبيرة وصيتاً واسعين بالعالم أجمع، ليس مطاردة جيوب حركة حماس والقضاء عليها فقط بل هو في الحقيقة تقسيم القطاع ضمن تنفيذ مخطط تهجير سكانه مستقبلاً”.
وأضاف: “الأمر الذي بات جلياً بعدما أتم الجيش الإسرائيلي أيضاً احتلال محور فيلادلفيا جنوب غزة والمتاخم للحدود المصرية بنهاية يونيو 2024″، موضحا: “من ثم في أكتوبر 2024، شرع الجيش الإسرائيلي في إنشاء محور آخر “تسفاليم” جنوب محور نتساريم وشمال فيلادلفيا، ونشر قوات عسكرية عليه ليصبح قطاع غزة مقسمًا إلى كانتونات صغيرة يسهل السيطرة عليها عند البدء في تنفيذ مخطط التهجير”.
كما لفت أنه يمكن اعتبار إخلاء محور نتساريم “مناورة سياسية على أن يكون الانسحاب منه مؤقتاً، فسرعان ما سيعاود نتنياهو احتلاله حال انكسار مسار الهدنة، وهو الأمر المتوقع أن يحدث بشدة، فحكومة اليمين في إسرائيل ستخسر ما لا تتحمله، وسيتم تقديم أغلب أعضائها للمحاكمات حال توقفت الحرب كنتيجة لاستكمال الهدنة بكافة حيثياتها وبقيت حماس في المشهد”.