تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية كبيرة، إذ تتزايد الأزمات في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية. في نوفمبر 2024، تطورت العلاقات بين سوريا وتركيا بشكل غير متوقع، ما أثر على الدور الذي يمكن أن تلعبه الوساطة الروسية والإيرانية بين البلدين.
فقد شهدت الأشهر الأخيرة محاولات مستمرة من قبل روسيا وإيران للتوسط بين دمشق وأنقرة، إلا إن هذه المحاولات تواجه تحديات كبيرة في ظل الأحداث المتسارعة التي تمس المصالح الاستراتيجية في المنطقة.
علاقات معقدة
سوريا وتركيا تربطهما علاقات معقدة مليئة بالتاريخ الطويل من التوترات، خاصة بعد بداية الأزمة السورية عام 2011، لم تكن هذه العلاقات في أفضل حالاتها مع دعم تركيا للمعارضة السورية في مواجهة نظام الرئيس بشار الأسد، ولكن مع تطور الوضع العسكري والسياسي في المنطقة، بدا أن الجانبين قد يتجهان نحو محادثات تهدف إلى استعادة التوازن الاستراتيجي، وهو ما دفع روسيا وإيران للعمل على وساطة بين البلدين.
روسيا، التي تعتبر حليفًا رئيسيًا للنظام السوري، تملك نفوذًا كبيرًا في دمشق، ومن خلال استضافتها لعدد من الاجتماعات بين المسؤولين السوريين والأتراك، سعت إلى دفع الطرفين نحو الحوار، في المقابل، إيران، التي تحافظ على علاقات وثيقة مع دمشق، تسعى أيضًا إلى تجنب أي انزلاق نحو تصعيد أكبر في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى تعقيد الوضع الإقليمي.
ولا شك أن هذه الدول تدرك أن أي تصعيد بين سوريا وتركيا يمكن أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي، لكن في نوفمبر 2024، تبدو جهود الوساطة الروسية والإيرانية مهددة بفعل مجموعة من العوامل.
أولاً، تصاعد التوترات في شمال سوريا، حيث ما تزال القوات التركية تواصل عملياتها ضد الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة. هذه العمليات تزعج الحكومة السورية، التي ترى فيها تهديداً لسيادتها على أراضيها.
بينما تواصل روسيا دعمها لنظام الأسد، فإن إيران، على الرغم من علاقتها الوثيقة مع سوريا، تحاول الحفاظ على علاقة جيدة مع تركيا، نظرًا لمصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة.
من جهة أخرى، تشهد العلاقات التركية-السورية تحولات غير متوقعة، حيث كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعرب عن استعداده للتعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من مناسبة، وهو ما دفع روسيا إلى تكثيف محاولات التوسط بينهما.
لكن حتى في حال وجود رغبة سياسية لتطوير العلاقات، فإن العديد من القضايا العالقة بين البلدين، مثل ملف الأكراد، والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، تجعل الوصول إلى تفاهم صعبًا.
التحولات الأخيرة في الوضع العسكري على الأرض تزيد من تعقيد هذه الوساطة. ففي ظل القصف المتبادل بين القوات التركية والسورية في مناطق شمال سوريا، يبدو أن المناخ السياسي أصبح أكثر تأزمًا.
ومع استمرار هذه العمليات العسكرية، تزداد المخاوف من تدهور الوضع الأمني في المناطق الحدودية، وهو ما يهدد بنشوب صراع شامل.
هذا التصعيد العسكري قد يعيد فتح جبهات القتال بين سوريا وتركيا، ما يجعل الوساطة الروسية والإيرانية في موقف صعب.
إضافة إلى ذلك، فإن المعطيات الدولية تشكل عامل ضغط على الوساطة بين سوريا وتركيا، العلاقات الروسية-الأمريكية، على سبيل المثال، قد تؤثر على فرص نجاح أي جهود وساطة روسية.
في المقابل، تقف إيران في موقف صعب، حيث تسعى إلى تحسين علاقاتها مع تركيا في إطار سياستها الإقليمية، خاصة بعد توترات مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، هذا التوازن بين الحفاظ على تحالفاتها مع دمشق وضرورة الحفاظ على العلاقات مع أنقرة يفرض تحديات أمام الجهود الإيرانية.
لكن مع ذلك، فإن هناك فرصًا محتملة لنجاح الوساطة الروسية والإيرانية إذا تمكّنت الدولتان من تجاوز الخلافات العسكرية وتوجيه الجهود إلى الحلول الدبلوماسية.
قد تتطلب هذه الوساطة فترة أطول من المتوقع، حيث ما يزال الأمل في تسوية سياسية للعديد من القضايا العالقة بين الطرفين.
وتظل جهود الوساطة الروسية والإيرانية بين سوريا وتركيا في نوفمبر 2024 عرضة للعديد من التحديات. تصاعد الأعمال العسكرية، وتداخل المصالح الدولية، والاختلافات الإقليمية تجعل الوصول إلى اتفاق دائم بين البلدين أمرًا صعبًا.
ورغم ذلك، فإن روسيا وإيران هما اللاعبان الرئيسيان اللذان يمكن أن يساهما في الحد من التصعيد وبناء جسر من الحوار بين الجانبين، شريطة توافر الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية وتقديم تنازلات متبادلة.