بعد مرور أكثر من شهرين على اندلاع الاشتباكات المسلحة العنيفة في السودان، وعدم الالتزام بالهدن السابقة، تزداد حلول السلام صعوبة، بينما تتفاقم أزمات المدنيين الذين حاول الكثير منهم الفرار خارج البلاد، بينما ظل آخرون أملا في عودة الاستقرار.
ووقع ضحايا تلك الحرب الكثير من المدنيين، ولكن الفئة الأضعف والتي دفعت ضريبة باهظة جراء ذلك هم الأطفال، لذا اتهمت بعثة الأمم المتحدة في السودان، في 5 يونيو 2023، الأطراف المتصارعة بارتكاب انتهاكات “جسيمة” ضد الأطفال، علاوة على عمليات قتل وهجمات ضد المدنيين والمستشفيات.
وقالت البعثة الأممية، في بيان، إن مسؤولي حقوق الإنسان “وثقوا عشرات الحوادث، بما في ذلك القتل والاعتقالات وحالات الاختفاء المحتملة والهجمات على المستشفيات والعنف الجنسي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، التي ارتكبتها أطراف النزاع”.
كما حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، من أن “هناك أكثر من 13.6 مليون طفل في حاجة ماسة للدعم الإنساني المنقذ للحياة، وهو أعلى رقم مُسجل على الإطلاق في البلاد”.
وأضافت “يونيسف”، في بيان صحفي: “يستمر تأثير العنف المستمر في تهديد حياة ومستقبل العائلات والأطفال؛ ما يؤدي إلى انقطاع الخدمات الأساسية وتوقف العديد من المرافق الصحية عن العمل أو تعرضها للضرر أو التدمير”.
وأكدت “يونيسف” أن حاجة أطفال السودان إلى المساعدات الإنسانية أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث يكافح السكان الأكثر هشاشة للبقاء على قيد الحياة وحماية أنفسهم.
ولم يكن وضع أطفال السودان قبل اندلاع الصدام العسكري الأخير مرضياً، إذا كان نحو 9 ملايين طفل بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية.
وقالت أديل خضر، المديرة الإقليمية ليونيسف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “مع احتدام النزاع في السودان، يستمر الأثر المدمر على الأطفال في الازدياد يوما بعد يوم”، مشددة على أن “هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقام، إنهم أشخاص لهم عائلات وأحلام وتطلعات. إنهم مستقبل السودان، ولا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يمزق العنف حياتهم. يستحق أطفال السودان فرصة للبقاء والنماء. يجب ألا يدخر جميع الأطراف أي جهد من أجل حماية الأطفال وحقوقهم”.
وتظهر التقارير الأممية أن الوضع الذي كان مأساويا بالنسبة لأطفال السودان قبل النزاع أصبح الآن في مستويات كارثية، وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن “الحصول على الغذاء والمياه الصالحة للشرب والكهرباء والاتصالات أمر غير منتظم أو غير متاح أو لا يمكن تحمل تكاليفه”، بالنسبة لغالبية السودانيين.
وعلى الرغم من التحديات المتعلقة بصعوبة وصول المساعدات الإنسانية بسبب النزاع القائم، تواصل “يونيسف” ومنظمات إنسانية أخرى، بالتعاون مع شركاء محليين، تقديم المساعدة في السودان، وتمكنت المنظمات العاملة من توفير إمدادات الصحة والمياه والصرف الصحي والتغذية التي تشتد الحاجة إليها في جميع أنحاء البلاد.
فيما تعاني منظمة “يونيسف” من نقص حاد في التمويل؛ إذ دعت المنظمة المعنية بالأطفال أعضاءها إلى استجابة إنسانية فورية وواسعة النطاق، محذرة من أن عواقب النزوح ونقص الخدمات الاجتماعية الأساسية والحماية سيكون لها آثار مدمرة – وطويلة الأجل – على الأطفال.
وناشدت المنظمة الأممية الدول الأعضاء التبرع والمساهمة في جمع نحو 253 مليون دولار أميركي لتلبية الاحتياجات العاجلة الإضافية، بما في ذلك توسيع نطاق علاج أكثر من 620 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.
وتحذر المنظمات الإنسانية من أن نحو 300 ألف طفل سوداني يواجهون خطر الموت إذا لم يتم مساعدتهم في الوقت المناسب.
بينما كشف تقرير أممي سابق، في 4 مايو مقتل نحو 190 طفلا سودانيا وإصابة 1700 آخرين منذ اندلاع النزاع الأخير. وعلى الرغم من عدم إمكانية الحسم بالأرقام الحقيقية للضحايا الأطفال نتيجة استمرار الصراع، تشير بعض المنظمات الحقوقية إلى أن الأرقام الفعلية قد تتجاوز الأرقام المعلنة نتيجة صعوبة الإحصاء الحالي.
وعلى مستوى قطاع التعليم، يواجه أطفال السودان مشكلة تعليمية؛ إذ أثرت المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع بصورة مباشرة على سير العملية الدراسية.
ودفع إغلاق المدارس إلى انقطاع آلاف الطلاب عن التعليم، حيث تعطل قطاع التعليم كليا في ولاية الخرطوم بسبب تضرر المدارس جراء الحرب، فضلا عن المخاوف الأمنية.
وكان أطفال السودان يعانون، على المستوى التعليمي قبل اندلاع الصراع الأخير؛ إذ يشير تقرير منظمة “يونيسف”، في سبتمبر 2022، إلى أن نحو 6.9 مليون طفل سوداني، أي طفل من كل ثلاثة أطفال في سن الدراسة، غير ملتحقين بالعملية الدراسية.
كذلك، لا يتمتع السودان ببنية تحتية تمكنه من استمرار تعليم الأطفال عن بُعد.
ولا يمكن إغفال تأثير الحروب والنزاعات في الصحة النفسية والعقلية للأطفال؛ إذ تشير بعض الدراسات إلى تأثيرات نفسية عميقة تلحق بالأطفال الذين يعيشون في مناطق الحرب والصراعات، وفقا لموقع “بي بي سي” البريطاني.
ومن أبرز المشاكل النفسية التي تلحق بالأطفال في تلك المناطق، الشعور الدائم بالخوف والقلق والاكتئاب، وصعوبة الاندماج في المجتمع أو العجز عن بناء روابط عاطفة، فضلا عن بعض الإضرابات السلوكية وردود الفعل العنيفة أو العدائية.
وينصح خبراء علم النفس الآباء والأمهات بملاحظة مستوى القلق عند أطفالهم ومراقبة ردود الفعل لديهم، والتحدث معهم عن الظروف المحيطة بلغة تتناسب مع أعمارهم، مع محاولة المحافظة على الهدوء أثناء الحديث مع الطفل، وطمأنته قدر المستطاع، كذلك السعي لطلب المساعدة النفسية المتخصصة متى أمكن ذلك.
ودعت الأمم المتحدة الأطراف المتصارعة إلى ضمان عدم وقوع الأطفال على خط النار، بما في ذلك وقف استهداف المراكز الصحية والمدارس ومحطات المياه.
واندلع الصراع الدامي على السلطة في السودان يوم 15 أبريل وتسبب في أزمة إنسانية كبيرة نزح خلالها أكثر من 2.2 مليون شخص داخل البلاد وفر 550 ألفا إلى دول الجوار، كما أنه يهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها، وكانت هدن سابقة فشلت في وقف الصراع الدامي الذي بدأ في السودان منتصف أبريل الماضي، بين الجيش وقوات الدعم السريع.