تشهد الساحة الليبية تصاعدًا حادًا في التوترات العسكرية والسياسية، وسط مؤشرات متلاحقة على احتمال انزلاق البلاد إلى جولة جديدة من الاشتباكات في محاور سرت–الجفرة، فهذه المنطقة ليست مجرّد نقطة جغرافية، بل هي عقدة استراتيجية تتحكّم في مستقبل النفوذ والأمن ومسار التسوية السياسية في ليبيا.
عقدة الصراع التي لم تُحلّ
حيث قالت مصادر إن منطقة سرت–الجفرة تحتل موقعًا فريدًا في ميزان القوى الليبية، فهي بوابة استراتيجية تربط شرق البلاد بغربها وتجعل أي قوة تسيطر عليها لاعبًا رئيسًا في صناعة القرار، كما أنها قريبة من منشآت نفطية ومطارات وقواعد عسكرية، أبرزها قاعدة الجفرة الجوية.
وأوضحت المصادر أنه منذ توقيع اتفاق وقف النار في أكتوبر 2020، بقيت المنطقة مجمدة عسكريًا، لكن دون حلّ جذري، فالقوات التابعة للجيش الوطني في الشرق لا تزال متمركزة على تخوم سرت والجفرة، بينما تتمركز قوات حكومة الوحدة وقوات تابعة لغرب ليبيا غرب المدينة، هذا التوازن الهش أبقى المنطقة قابلة للاشتعال في أي لحظة.
ما هي أسباب التصعيد الأخير؟
وكشفت المصادر أن الأزمة السياسية التي تعيشها ليبيا منذ سنوات وصلت إلى طريق مسدود، منها غياب توافق على قاعدة دستورية، ووجود حكومتين متنافستين، وانهيار معظم مبادرات الوساطة، كلها جعلت الأطراف تبحث عن أوراق ضغط جديدة.
وأشارت المصادر إلى أن التحرك العسكري يبدو أحد هذه الأوراق، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة تقارير عن تعزيزات وتحركات من الطرفين، تشمل نقل آليات ثقيلة إلى محاور غرب سرت وتحليق مكثف للطائرات المسيرة في مناطق قريبة من الجفرة ومناورات وتدريبات لقوات في الشرق تهدف لـ”رفع الجاهزية.
لماذا تُعتبر معركة سرت–الجفرة خطيرة؟
وقالت المصادر إن أي اشتباك في هذه المنطقة سيؤدي إلى انهيار فعلي لاتفاق وقف النار، ما يعني عودة الحرب إلى نطاق وطني واسع.
وترى المصادر أن سرت–الجفرة نقطة انعطاف جيوسياسية، والسيطرة عليها تعني تقدم طرف على حساب الآخر في خريطة المستقبل السياسي، وبالتالي جذْب ردود فعل إقليمية حادة.
السيناريوهات المحتملة
وتوقعت المصادر الأسابيع المقبلة تصعيد محدود دون حرب شاملة، واستمرار المناورات والتحشيد والتحليق الجوي، مع اشتباكات محدودة أو ضربات موضعية دون أن تتطور إلى معركة مفتوحة مؤكده أن هذا السيناريو يسمح للأطراف بزيادة الضغط دون تحمل تكلفة الحرب.
وقالت إن السيناريو الثاني هو اندلاع معركة واسعة على سرت–الجفرة و هذا السيناريو، رغم خطورته، يظل مطروحًا إذا شعرت أي من القوى بأن ميزان القوى يميل ضدها. مثل هذه المعركة ستُعيد ليبيا إلى المربع الأول وتنسف وقف إطلاق النار.
وأكدت أن السيناريو الثالث ربما يكون تدخل دولي يجمّد الوضع، وقد تتدخل الأمم المتحدة ودول مؤثرة لفرض التهدئة، خصوصًا إذا هدد التصعيد بتوقف إنتاج النفط أو بانهيار كامل للمسار السياسي، أو إطلاق مسار جديد للتسوية، والتصعيد قد يكون بداية لوساطة جديدة تفرض اتفاقًا مُحدّثًا لانتشار القوات وربما خارطة طريق سياسية جديدة.
واختتمت المصادر أن المشهد مزيج من التحشيد العسكري والرهانات السياسية وانعدام الثقة، وهو خليط غالبًا ما يؤدي إلى الانفجار.

