تصاعد نشاط التحالف الدولي بقيادة أمريكا في سوريا بشكل لافت خلال شهر أكتوبر الجاري، مع تعزيزات عسكرية وتدريبات مشتركة مع “قسد” وعمليات ضد تنظيم داعش.
سرعودة الزخم العسكري الأمريكي إلى سوريا
وكشفت مصادر أن هذه التحركات تعكس تحولًا نوعيًا في مقاربة واشنطن تجاه الملف السوري، وسط تزايد تهديدات تنظيم “داعش” من جهة، والتنافس الإقليمي المتصاعد في مناطق النفوذ من جهة أخرى.
التحركات الميدانية
حيث رصد المرصد السوري هبوط سبع طائرات شحن عسكرية أمريكية خلال أكتوبر في قواعد تابعة للتحالف، تحمل أسلحة متطورة ومنظومات دفاع جوي، بالتوازي مع استقدام أكثر من 70 شاحنة لوجستية عبر معبر الوليد الحدودي من إقليم كردستان العراق.
كما نفّذ التحالف ست تدريبات عسكرية موسعة في قواعده الرئيسية مثل قسرك والشدادي وخراب الجير، بمشاركة فعالة من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وتوقعت المصادر أن التحالف بدأ إنشاء نقطة عسكرية جديدة خارج نطاق الـ55 كيلومترًا، قرب المثلث الحدودي السوري – العراقي – الأردني، وهو موقع ذو أهمية استراتيجية يربط بين طريق بغداد – دمشق وخطوط الإمداد في البادية.
ما هي الأهداف؟
وأوضحت المصادر أنه يبدو أن الهدف المباشر للتحركات الأمريكية هو تعزيز السيطرة الأمنية على المناطق التي لا تزال تشهد نشاطًا لخلايا تنظيم “داعش”، وخاصة في دير الزور والحسكة والرقة، فالتنظيم، رغم انهيار هياكله الأساسية منذ عام 2019، لا يزال ينفذ هجمات متفرقة تستهدف نقاط “قسد” والقوات المحلية المتحالفة مع واشنطن.
وقالت إن التحالف يسعى من خلال ذلك إلى رفع جاهزية القوات المحلية عبر التدريبات والتسليح والتنسيق الاستخباراتي، بحيث تصبح قادرة على إدارة العمليات الميدانية دون الاعتماد الكامل على التدخل الأمريكي المباشر.
وهذه المقاربة تتسق مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة القائمة على “القيادة من الخلف” — أي دعم الشركاء المحليين بدلًا من نشر قوات قتالية كبيرة.
المستوى الجيوسياسي
وأكدت المصادر أنه يمكن قراءة التصاعد في نشاط التحالف الدولي كرسالة ردع موجهة إلى الفاعلين الإقليميين، خصوصًا إيران وروسيا وتركيا. ففي ظل تنامي الدور الإيراني في دير الزور وريف حلب الشرقي، والتحركات الروسية النشطة في البادية، إلى جانب التوسع التركي في مناطق شمال حلب والحسكة، يبدو أن واشنطن تسعى إلى تثبيت توازن الردع ومنع أي طرف من الانفراد بالميدان.
كما قالت إن إنشاء النقطة العسكرية الجديدة عند المثلث الحدودي يعزز من قدرة التحالف على مراقبة خطوط التهريب والتمدد الإيراني، ويمنحه موقعًا متقدمًا للتحكم في طريق بغداد – دمشق، الذي يُعد أحد أهم المسارات الاستراتيجية في الصراع الإقليمي.
كما أن نشر منظومات دفاع جوي وطائرات استطلاع متطورة يوحي بأن التحالف يستعد لمرحلة استباقية، ربما تشمل عمليات مراقبة جوية وتدخلات محدودة لضبط ميزان القوى في شمال شرق سوريا.
وترى المصادر أن التحالف الدولي يستخدم الوجود العسكري المتصاعد كورقة ضغط مزدوجة؛ فمن جهة، يهدف إلى طمأنة الحلفاء المحليين مثل “قسد” باستمرار الدعم الأمريكي، ومن جهة أخرى، يوجّه رسالة ردع إلى القوى الإقليمية بعدم اختبار حدود القوة الأمريكية في سوريا.
دلالات إعادة تنشيط التحالف الدولي
وقالت المصادر إن إعادة تنشيط التحالف الدولي تحمل أبعادًا داخلية أمريكية، خصوصًا مع اقتراب موسم الانتخابات في واشنطن، حيث تسعى الإدارة إلى إظهار التزامها بمكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
ويُذكر أن التصاعد في نشاط التحالف الدولي بقيادة أمريكا لا يبدو مجرد تحرك تكتيكي ضد تنظيم داعش، بل جزء من رؤية استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل مكافحة الإرهاب، والردع الإقليمي، وضبط موازين القوى في الميدان السوري.
فواشنطن، التي انسحبت جزئيًا من المشهد خلال الأعوام الماضية، تعود اليوم عبر مقاربة جديدة تقوم على التحكم عن بُعد، من خلال قواعد صغيرة وشركاء محليين فاعلين.

