يشهد لبنان منذ عام 2019 انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، إذ تفاقمت أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق والمشتقات النفطية، لتنهار الليرة اللبنانية منذ ذلك الوقت لأكثر من 95% من قيمتها، ويصل مؤخرا إلى حد غير مسبوق مقارنة بالدولار الذي يواصل ارتفاعه الجنوني في السوق السوداء من دون أي ضوابط مسجلاً سعر صرف 77 ألف ليرة.
وتسبب ذلك الانهيار المخيف في قيمة الليرة إلى حالة غضب الأهالي في عدد من المناطق اللبنانية؛ حيث شهدت شوارع عدد من المدن اللبنانية احتجاجات قطع خلالها المحتجون الشوارع في تعبير عن رفضهم لتردي الأوضاع المعيشية، في موازاة أعمال نهب وسرقة ارتفعت وتيرتها في الأيام القليلة الماضية، في وقت تواصل المصارف إضرابها العام على مختلف الأراضي اللبنانية؛ ما يساهم أيضاً في تدهور قيمة العملة اللبنانية.
وأفادت إذاعة صوت بيروت بأنه تم قطع طريق الكولا باتجاه بيروت بالسيارات ومستوعبات النفايات احتجاجاً على تردي الوضع المعيشي، فيما قطع عدد من المحتجين دوار أبو علي باتجاه التبانة، وطريق عكار في جميع الاتجاهات.
كما شهدت أحياء عدة في العاصمة بيروت سلسلة تحركات شعبية قام خلالها محتجون بقطع عدد من الطرقات، والأمر نفسه في منطقة مزرعة يشوع (جبل لبنان)، حيث أغلق شبان الطريق بحاويات النفايات، ولجأ البعض إلى حرق إطارات لعرقلة حركة السير، بحسب شبكة “الإندبندت”.
كما أنه بجنوب البلاد، قطع مواطنون الطريق عند تقاطع إيليا في صيدا بالسيارات، كما قام آخرون برمي مادة البنزين وإضرام النيران فيها، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والارتفاع الجنوني للدولار.
وفي مدينة طرابلس تسود حالة من البلبلة فيها، بعد أن عمد عدد من الأشخاص على إجبار المحال التجارية في طرابلس على الإقفال، كما قطعوا الطريق المؤدي إلى سرايا طرابلس اعتراضاً على ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، على وقع الدعوات إلى التصعيد في الشارع.
بينما تشهد المصارف في لبنان إضرابا عاما، منذ أيام عدة، رفضاً لإجراءات قضائية بحق مجالس إدارات عدد من البنوك، وطلب رفع السرية المصرفية عن حساباتها، والضغط لإقرار قانون “الكابيتال كونترول” وحماية المصارف من دعاوى المودعين القضائية في الداخل والخارج.
وتزامنا مع ذلك، زادت تحذيرات المصارف في لبنان من “خطورة” الاتهامات القضائية الداخلية الموجهة لعدد منها بتهمة “تبييض الأموال”، وتداعيات ذلك على المعاملات المصرفية، بموازاة دعوى جديدة طالت، للمرة الأولى، مصرفاً عربياً عاملاً في لبنان، هو “بنك الكويت الوطني”.
لذا قررت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، الادعاء على “بنك عودة” ورئيس مجلس إدارته سمير حنا ورئيس مجموعة “بنك عودة”، تامر غزالة، و”كل من يظهره التحقيق بجرم تبييض الأموال”، وذلك بناء على شكوى تقدمت بها جمعية “الشعب يريد إصلاح النظام”، فيما طالبت عون مصارف عدة برفع السرية المصرفية عن رؤساء وأعضاء مجالس إدارتها ومفوضي المراقبة ومدققي حساباتها، تحت طائلة ملاحقتهم بجرم تبييض الأموال.
وردت جمعية المصارف بالتحذير من أنّ هذا القرار، “إذا تم تعميمه على مصارف أخرى كما يعد التهديد الذي صدر، قد يدفع المصارف الكبرى العالمية إلى وقف تعاملاتها بشكل تام مع لبنان عبر إقفال حسابات المصارف اللبنانية لديها”، وعندها “لن ينفع الندم إذا ما تم عزل لبنان مالياً عن العالم وتوقفت التجارة الخارجية وفقدت المواد الأساسية التي ما زالت تستورد حالياً عبر القطاع المصرفي”.
وتعني هذه الاتهامات “إغلاق منافذ لبنان المالية إلى الخارج، حيث يمكن أن تجمد البنوك المراسلة العمليات المالية اللبنانية احتياطاً بسبب الدعاوى” المرفوعة، و”هذا يعني أنه لا تحويلات مالية من لبنان ستستقبلها البنوك المراسلة في الخارج”.
وتنذر تلك الأوضاع بانفجار اجتماعي، إذ طالب الكثيرون بإيجاد حل سريع للأزمة السياسية والشغور في رئاسة الجمهورية من أجل انتظام عمل المؤسسات والبدء بالإصلاحات الاقتصادية والمالية اللازمة، وهذا ما شدّد عليه سفراء الدول الخمس، الذين عقدوا اجتماعا في باريس قبل أيام لبحث الملف اللبناني، لدى زيارتهم وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، حسبما نقلت وكالة “فرانس برس”.
وسجلت الليرة اللبنانية لليوم الثاني على التوالي انهياراً قياسياً جديداً أمام الدولار، بعدما قفزت في السوق الموازية (السوداء)، أمس، إلى أكثر من 76 ألف ليرة للدولار الواحد، وبحسب وكالة “رويترز” التي نقلت عن التطبيقات التي تتابع سعر الصرف في السوق الموازية تراوح سعر الدولار، ما بين 76.000 ليرة و76.500 ليرة للدولار الواحد.
وانعكس ارتفاع الدولار على أسعار المحروقات حيث لامس سعر صفيحة البنزين 1400000 ليرة وسعر صفيحة المازوت 1369000 والغاز 903000 ليرة، فيما تخطى سعر كيلو البصل الـ80000 ليرة ما جعل بعض المواطنين يتحسّرون على البصل ويتندّرون على المثل الشعبي الذي يقول “كُل بصل وانس اللي حصل”.