يبدو أن خريطة النفوذ التركية بالمنطقة العربية تتغير بصورة كبيرة مؤخرا، مع لفظ عدة شعوب لها وخسارة حلفائها، لا سيما بعد تقاربها العلني مع إسرائيل وتعيين سفير وملحق تجاري بين البلدين، ليغير ذلك من قرارات حركة حماس.
ويستعد حاليا وفد يضم قادة من حركة حماس للسفر الأسبوع القادم إلى دمشق لمتابعة استئناف العلاقات ومناقشة استئناف العمل وإعادة فتح المكتب مع المسؤولين السوريين، لكن أستاذ العلوم السياسية جمال الفاضي استبعد “أن يوافق النظام السوري على عودة حماس بثقلها كما كانت قبل عقد”.
وأكد موقع “أحوال” التركي أن التقارب التركي الإسرائيلي يسرع من خطوات حماس نحو العودة إلى حضن دمشق بعد عقد من القطيعة والتوتر، فالحركة الإسلامية الفلسطينية التي كانت تتلقى دعمًا سخيًا من تركيا وجدت نفسها عالقة في مأزق بعد استئناف أنقرة وتل أبيب علاقتهما الدبلوماسية بالكامل وإعادة تعيين سفيرين لهما، بينما تتوقع حماس أن تتعرض لضغوط تشمل مطالبتها بوقف أنشطة قياداتها المقيمة في الأراضي التركية وربما أيضا مطالبة أولئك القادة بالمغادرة.
فيما أكد قيادي كبير في حماس أن حركته تتجه لـ”فتح مكتب تمثيل في دمشق قريبا كخطوة أولى على طريق عودة العلاقات الطبيعية القديمة”، لكنه يستدرك قائلا “من المبكر الحديث عن نقل مقر رئاسة الحركة إلى دمشق”.
ويرى محللون أن إعلان حماس استئناف علاقاتها مع النظام السوري بعد عشر سنوات من الفتور والتوتر، يؤشر إلى قرار بتعزيز حضورها في “محور المقاومة” الذي تتزعمه إيران وضم دمشق وحزب الله والميليشيات الشيعية الموالية لطهران، مدفوعة بعدة تطورات إقليمية بينها التقارب التركي الإسرائيلي واتفاقات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية.
وسبق أن قالت حماس في بيان في سبتمبر الماضي إن استئناف علاقاتها مع سوريا “خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة”، وإنها “ماضية في بناء وتطوير علاقات راسخة مع سوريا”، فيما لم تشر إلى ذلك من قبل حين انحازت للمعارضة السورية التي دعمتها تركيا وقطر بشكل أكبر خلال العقد الماضي.
وفي الوقت ذاته ولت تركيا وجهها صوب إسرائيل بعد سنوات من القطيعة والتوتر بينما يرجح أن تخفف دعمها لحماس أو تنهيه تلبية لشروط إسرائيلية لتعزيز العلاقات الثنائية، لكن حماس ربما تستفيد أيضا من خطوات التقارب التركي السوري حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لا يمانع مصالحة مع دمشق ولقاء مع نظيره السوري حين تسمح الظروف بذلك.
وعزت حماس قرارها بالعودة للحضن السوري إلى “التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا” في إشارة ضمنية، وفق محللين، إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين عدد من الدول العربية وإسرائيل واستئنافها بين إسرائيل وتركيا التي لجأ إليها عدد من قياديي حركة حماس بعد خروجهم من سوريا.
وقال مسؤول في حركة حماس فضّل عدم الكشف عن هويته إن “تقليص دور الحركة في تركيا وضعها أمام خيارين: إما الوقوف مع دول عربية وإسلامية لديها اتفاقات تطبيع للعلاقات مع إسرائيل أو البقاء في محور المقاومة” في مواجهة الدولة العبرية.
وفتحت إسرائيل وتركيا حقبة جديدة في علاقاتهما خلال الأشهر الأخيرة، وعاد السفيران إلى البلدين بعد أن تمّ استدعاؤهما في 2018، إثر احتجاج أنقرة على مقتل متظاهرين فلسطينيين في قطاع غزة.
وأوضح المسؤول أن قرار استئناف العلاقات بين حماس وسوريا سبقه زيارات عدة “سرية وعلنية” لقادة كبار في الحركة التقوا مسؤولين سوريين، بوساطة من حزب الله اللبناني وإيران.
بينما يرى المحلل السياسي مخيمر أبوسعدة أن حماس “حسمت أمرها مع محور المقاومة على الرغم من أن هذا سيؤثر عليها داخليا وإقليميا”، مضيفا أن الرغبة الإيرانية لـ”رصّ صفوف محور المقاومة (حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والحوثيون) “في ظل تعثر الاتفاق النووي مع الغرب، إضافة للتقارب التركي الإسرائيلي، ومع زيارة وفد قيادي من حماس إلى موسكو”، كلّها أسباب “دفعت حماس باتجاه تعزيز التقارب مع سوريا”.
وتزامن إعلان حماس استئناف العلاقات مع سوريا مع زيارة قام بها رئيس المكتب السياسي في الحركة إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري إلى موسكو حيث التقيا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
ويبيّن أبوسعدة أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سوريا و”تسخين الأوضاع مع لبنان في مسألة ترسيم الحدود وحقل الغاز كاريش، عجّل بضرورة أن يكون محور المقاومة على أتم الجهوزية في مواجهة أي مغامرات إسرائيلية في المنطقة”.
وكان رئيس المكتب السياسي السابق لحماس خالد مشعل يتمتع بامتيازات نادرة في سوريا، وكانت تربطه علاقة شخصية مع الرئيس بشار الأسد، وبعد بدء النزاع السوري، انتقدت حركة حماس قمع النظام للمعارضة السورية وتوترت العلاقات بين الطرفين. وفي فبراير 2012، أي بعد عام على اندلاع الأحداث في سوريا، غادرت حماس دمشق وأغلقت كافة مكاتبها ونشاطاتها فيها، وعلى مدى سنوات اعتبر مسؤولون سوريون في تصريحاتهم مغادرة حماس “ضربة قاسمة” للعلاقة مع سوريا، وبعضهم وصفها بـ”الخيانة”.
ويرى الفاضي أن “ارتباط حماس بعلاقة مع سوريا في الوقت الحالي سيخضعها لاعتبارات أمنية صعبة، ويعرّض قياداتها ونشطاءها لمخاطر الاستهداف الإسرائيلي السهل”.
ورغم “سلبيات” القرار، في رأيه، يقول الفاضي إن حماس ستسعى لأن “تكون طرفا مؤثرا” في المنطقة.
وكشف عضو بارز في حماس طلب عدم الكشف عن اسمه أنه لا يؤيد استئناف علاقات حركته مع دمشق، لأن “النظام السوري ارتكب جرائم بحق شعبه”، مضيفا “لم تنتهِ الأسباب التي من أجلها غادرت الحركة سوريا، حماس تقف إلى جانب الشعوب المقهورة”.
وأثار قرار حماس جدلا واسعا عكسته مواقع التواصل الاجتماعي وشارك فيه عدد من نشطاء الحركة ومؤيدوها.
واعتبر الباحث في الشؤون الإسرائيلية والإسلامية صالح النعامي، وهو مقرب من حماس، في تغريدة نشرها على حسابه على “تويتر”، أن قرار حماس “خطيئة أخلاقية”، مضيفا أن القرار “يعكس خلل الأولويات الإستراتيجية وتخبطا سياسيا لدى الحركة، ولا يعبّر عن موقف قواعد الحركة والأغلبية الساحقة من نخبها”.
ومع ذلك يؤكد رئيس اللجنة السياسية في حماس باسم نعيم أن قرار حركته “قرار مستقل جاء بعد دراسة مستفيضة لعدة أعوام للمشهد الداخلي والإقليمي والدولي أدت إلى ذهاب حماس في النهاية بأغلبية الآراء نحو استئناف العلاقة مع سوريا”، قائلا إن حماس “منفتحة على أطراف أخرى قد تكون موجودة في معسكر مخالف للتوجّه السوري”، لكن “لا خيار إلا أن تكون حماس في محور المقاومة”، مضيفا “نحن نرفض التطبيع، لكن لا نعلن المقاطعة لكل هذه الكيانات”.