مع الأزمات العديدة التي تشهدها تركيا، بسبب الأزمات الاقتصادية الصعبة، جراء انهيار الأوضاع والقرارات الفاشلة التي يصدرها الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تراجعت شعبيته للغاية مؤخرا، بالقرب من الانتخابات المنتظرة، وتنامي المعارضة الضخمة له، ما يجعلها معركة مريرة.
“مَن يحسم المعركة السياسية لعام 2022.. أردوغان أم المعارضة؟” تحت ذلك العنوان، نشرت صحيفة “أحوال” التركية، تقريرا مطولا بشأن ذلك الصراع الضخم بين الطرفين، والذي يلتهم الشؤون الداخلية للبلاد، حيث أشار إلى أن عام 2021 في تركيا بدأ بالبحث عن “الإصلاح” الذي وضعه أردوغان على جدول أعماله في نوفمبر2020، بالتوازي مع التغيير في الإدارة الاقتصادية، ولكن عام 2022 بدأ بالإعلان عن “النموذج الاقتصادي الجديد” في نوفمبر 2021، والذي يرمز إلى أن أردوغان أنهى فترة البحث التي استمرت عامًا واحدًا.
وكان عام 2021 هو العام الذي كان فيه أردوغان الأضعف سياسيًا خلال فترة حكمه التي استمرت 19 عامًا، دون الحاجة لوصف سلطة أردوغان الإدارية التي يسيطر فيها على الدولة، وتنامت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو، إذ حصل على سلطة إدارية هائلة من خلال تحالف الشعب والنظام الرئاسي وخطاب البقاء الآمن، وفي البداية، كان يُعتقد أن هذا المزيج قد زوّد أردوغان، الذي كان يتمتع بالفعل بالسلطة السياسية، بالسلطة الإدارية، لكن لم يكن من المتوقع أن يضطر أردوغان للتخلي عن سلطته السياسية مقابل السلطة الإدارية المنقولة.
ومع مرور الوقت فإن سلطة أردوغان السياسية مقدر لها أن تتراجع، إذ أدى فقدان المنظور الديمقراطي والإدارة العقلانية إلى عزل العديد من الشرائح الاجتماعية، مع انهيار توطيد اليمين القومي المحافظ، وبدأ الأكراد في دعم المعارضة إلى حد كبير، وفي البداية، ركّز على السلطات الإدارية الهائلة التي تحت تصرفه، بدلاً من القلق بشأن التداعيات السياسية المحتملة للمعادلة الجديدة.
أردوغان، الذي ركز طوال حياته السياسية على اليوم بدلاً من التخطيط للمستقبل، وأعطى معنى أكبر للتكتيكات أكثر من الإستراتيجية، سوف يتصرف بما يتماشى مع هذه المعادلة طالما أنها تعمل كما في تجارب التحالف السابقة، وسوف يتخلى عن هذه المعادلة فقد أنشأ واحدة جديدة عندما اعتقد أنها فقدت وظيفتها.
ولذلك فإن التطورات في عام 2021 لم تؤكد توقعات أردوغان، ففي نوفمبر 2020، أدرك أردوغان أنه ضعيف سياسيًا على الرغم من سلطته الإدارية، فسعى لإيجاد مخرج من خلال خطاب الإصلاح، الذي استمر هذا البحث طوال عام 2021 وانتهى في نوفمبر 2021 دون أن يسفر عن نتيجة لصالح أردوغان، واعتمد تجاوز أردوغان للمأزق السياسي على إعادة النظر في المعادلة السياسية بعد 15 يوليو، لتمديد المحور السياسي – الأيديولوجي الذي بُنيت عليه المعادلة، لكن المقاومة التي رآها منذ اللحظة التي استخدم فيها كلمة “إصلاح” أظهرت أنه لا يمكن ثني محور التحالف والمحور الأيديولوجي السياسي الذي يدعو إليه التحالف، إما أن يكون هذا المحور تابعًا أو سيتم التخلي عن هذا المحور، ونظرًا لأنه لم يتمكن من إيجاد حل لهذه المعادلة الأساسية، لم يستطع الحصول على أي نتائج من محاولات الهندسة السياسية الجزئية.
ويمكن القول: إن عام 2021، الذي بدأ بالبحث عن الإصلاح في نوفمبر 2020، كان عامًا سيئًا لأردوغان، وأنهى أردوغان عام 2021 في وضع غير مواتٍ من حيث الإرادة السياسية والعلاقات والدعم الاجتماعي، وبأكمله كانت النتيجة لصالح المعارضة وهي تغيير ميزان القوى بين الحكومة والمعارضة لصالح المعارضة، إذ أدى الفراغ السياسي الذي أحدثه أردوغان وتفاقم الأزمة الاقتصادية وتحرك الناخبين لصالح المعارضة إلى تعزيز الأداء السياسي للمعارضة. بالتركيز على حماية مكونات التحالف وتوسيعه بأحزاب سياسية جديدة طوال عام 2020، عززت المعارضة هيكل تحالفها بالثقة التي اكتسبتها في عام 2021.
لذلك، حتى سبتمبر، بينما فازت المعارضة بمجموعة ناخبة انفصلت عن كتلة السلطة من خلال تعزيز موقعها كبديل للسلطة من خلال النقد القائم على الموضوع والعلاقات الوثيقة مع المجتمع وتفاعلات القادة، إلا أنها فشلت في مخاطبة بعض الناخبين الذين انفصلوا عن كتلة السلطة والابتعاد عن السلطة لعدم قدرتها على وضع سياسة بديلة.
وأنهى أردوغان عام 2021 الذي قضاه مترددًا وغائبًا للسياسة والبحث، بالإعلان عن “النموذج الاقتصادي الجديد”. السبب الذي يظهر أن النموذج الاقتصادي الجديد يصادف نهاية عام 2021 وبداية عام 2022 ليس المحتوى الاقتصادي للنموذج، ولكن القرار السياسي الجديد أشار إليه من خلال النموذج، ويبدو أن أردوغان اتخذ قرارًا بشأن محور سياسي من المرجح أن يستمر حتى الانتخابات، من خلال إنهاء بحثه السياسي والاقتصادي المتلمس لمدة عام، وتعني هذه السياسة أنه بعد فشل مساعي أردوغان لتمديد المعادلة السياسية التي ظهرت بعد 15 يوليو، فإنه يعيد التمسك بالمعادلة السياسية الحالية، بل ويوطدها ويوسعها بإضافة الاقتصاد.
هذا الوضع الجديد سيمنع 2022 من أن يكون استمرارًا لعام 2021 وسيعيد تحديد موقف الحكومة والمعارضة، وسيكون لنهاية الفترة التي تركت فيها الحكومة الساحة السياسية إلى حد كبير للمعارضة بحلول عام 2022 تأثير مباشر على التطورات السياسية في الفترة المقبلة، ولذا فإن أردوغان لن يتجه نحو سياسة تمكنه من الفوز في الانتخابات المقبلة، بينما المعارضة تدخل عام 2022 والانتخابات المقبلة في وضع أفضل من الحكومة.