في صمت شديد وظلام دامس، وغياب الخدمات، والرعاية بكل أشكالها، وقسوة التعامل، والتجاهل الحكومي، فقد الكثير من المساجين أرواحهم، وأُصيب آخرون بالأمراض، بينما عانى العديد من التعذيب والانتهاكات، داخل السجون القطرية.
احتجاز حيوانات في حظيرة
“الاعتقال في قطر أشبه باحتجاز حيوانات في حظيرة”، لم يكن ذلك الوصف هو وليد اليوم، وإنما هو تعبير متداول منذ أعوام عن أوضاع سجون الدوحة، حيث كان عنوانا متصدرا لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية، فندت فيه الانتهاكات والأزمات ومعاناة المساجين.
وأشار التقرير إلى ما أوردته منظمة الصحة العالمية، حيث أكدت في تقرير مفصل حول الوضع الصحي والإنساني في السجن المركزي بقطر، الذي شهد العام الماضي تفشيًا لفيروس كورونا، بعد أن نجحت في التواصل مع ستة مساجين داخل السجن، أكدوا لها عدم صحة الادعاءات القطرية في التعامل مع الأزمة، إذ وصف أحد السجناء، بحسب ما نقلته المنظمة، ظروف الاعتقال بأن الأمر أشبه باحتجاز “حيوانات في حظيرة” بما يعكس تكدس السجناء داخل العنابر.
وقال أحد السجناء إن “الناس ينامون على الأرض، في العنابر ومسجد السجن ومكتبته، الجميع خائفون من بعضهم البعض ولا نعرف من أين يمكن أن نتلقى العدوى، السجون مكتظة في الوقت الذي يجب أن نكون معزولين عن بعضنا”، مضيفا “العنبر الذي يسكنه 150 سجينا يحتوي على ثمانية حمّامات فقط”.
وأشار التقرير إلى أن إدارة السجن باشرت بإغلاق العنبر الموبوء، لكن بعد أن أقدمت على نقل عدد من نزلائه إلى أقسام أخرى أكثر اكتظاظا وأقل صحية، ما يفسر انتشار العدوى بشكل واسع في ظل تدني الخدمات الصحية داخل السجن، بحسب المنظمة.
ولفت إلى أن عيادة السجن لا يتواجد بها طبيب إلا ساعتين فقط من الساعة 9 حتى 12 صباحا ولا يوجد أي طبيب بعيادة السجن أيام الجمعة والسبت، كما يتواجد اثنان من الممرضين فقط.
وأضاف التقرير أن سلطات السجن أعطت معلومات غير متسقة وغير كاملة للسجناء، إذ أبلغهم أحد الحراس بشكل غير رسمي في 2 مايو الحالي عن تسجيل خمس إصابات في أحد العنابر، وبعد ثلاثة أيام تلقوا معلومة جديدة من حارس آخر يؤكد فيها تسجيل 47 حالة.
فيما قال سجين آخر “لم يعد يأتي الممرضون الذين يعطون حقن الأنسولين لمرضى السكري، بل يقوم الحراس بتوزيع حقن الأنسولين ويحقن المرضى أنفسهم”، وأكد آخرون أنهم لا يحصلون على ما يكفي من الماء والصابون أو مطهر اليدين، وأن تدابير التباعد الاجتماعي مستحيلة في ظل هذا الازدحام.
زج المستثمرين في السجون
وفي مطلع ٢٠١٩، أثرت الظروف الاقتصادية الخانقة في قطر سلبا على المستثمرين الهنود والعشرات منهم في السجون دون محاكمة، حيث كشفت صحيفة “ذا هندو” الهندية أن “العشرات منهم في السجون دون محاكمة، بعد فشل شراكتهم مع قطريين”.
وأضافت الصحيفة أنه في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية في قطر يوجد أكثر من 200 مستثمر هندي، معظمهم من ولاية كيرالا، في السجون بسبب جرائم اقتصادية، فضلا عن أنه يوجد 2000 رجل أعمال هنديون آخرون مثقلون بالديون يعيشون حياة الفارين من العدالة دون أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم.
تعذيب مستمر
وفي يونيو ٢٠٢٠، فضح فيروس كورونا تردي وسوء الإجراءات القطرية في السجون، وهو ما كشفته منظمة “هيومن رايتس ووتش” بتدهور الأوضاع في السجن المركزي بالدوحة، عبر عدة شهادات ترصد انتهاكات عديدة، ووجهت مطالبة عاجلة لسلطات قطر باتخاذ إجراءات عاجلة لتوفير حماية أفضل للسجناء وموظفي السجون.
ويأتي ذلك بعد لقاء المنظمة حوالي 6 محتجزين أجانب، أكدوا تدهور الظروف في السجن المركزي بالدوحة منذ الاشتباه بإصابة عدة سجناء بالفيروس، حيث أبلغهم الحراس بذلك بشكل غير رسمي، بينما لم تعلن السلطات القطرية الأمر، واكتفت فقط بعزل العنبر الذي شهد للفيروس، ثم نقلت بعض المحتجزين إلى أقسام أخرى مكتظة بالسجناء وغير صحية.
وكشفت حينها أن حالات المرضى الحرجة من السجناء محرومون من الرعاية الطبية، حيث توقف الطاقم الطبي عن زيارة عنبرهم، حيث قال أحد السجناء : “لا أحد يعرف من يمكن أن يكون مريضا، هذا الشخص في عنبرنا على ما يبدو لديه الإنفلونزا، لكن هل هي إنفلونزا، هل هو الفيروس، مَن يدري؟ لا أحد يتحقق”.
وطالبت “هيومن رايتس ووتش” للسلطات القطرية، بعدة مطالب على رأسها تخفيض عدد السجناء للسماح بالتباعد الاجتماعي، بجانب ضرورة منح كل سجين الرعاية الطبية المناسبة، بالإضافة لضرورة وضع بروتوكولات مناسبة للنظافة الشخصية والتنظيف، مع توفير التدريب واللوازم مثل الكمامات والمطهّرات والقفازات، لمنع العدوى.
كما أكدت ضرورة إطلاق سراح السجناء المعرضين للخطر مثل كبار السن والمحتجزين بتهم جنح أو جرائم غير عنيفة، وضمان حصول السجناء الباقين على الرعاية الطبية الكافية.