أعاد استهداف القيادي العسكري البارز في حزب الله، هيثم الطبطبائي، المشهد الإقليمي إلى مستوى أكثر احتقانًا، بعدما أصابت الضربة عمق الضاحية الجنوبية لبيروت في توقيت حساس يختبر توازنات القوى بين طهران وتل أبيب.
ومع أن الحادثة بدت في ظاهرها امتدادًا لحرب الظل الدائرة بين الجانبين، فإن ردود الفعل الإيرانية حملت إشارات تتجاوز حدود الرد التقليدي، وصولًا إلى توجيه رسائل مباشرة للحزب بضرورة مراجعة نهجه في التعاطي مع المرحلة.
إيران بين رغبة في الانتقام وواقع سياسي معقّد
يبرز في طهران خطاب مزدوج يجمع بين الدعوة إلى رد قاسٍ والتلويح بخيارات انتقامية، مقابل رسائل أخرى تضع حزب الله في واجهة التصعيد.
ويعكس هذا النهج محاولة الموازنة بين حاجة إيران إلى إظهار الصلابة أمام خصومها، وبين حرصها على تجنب مواجهة مفتوحة قد تستنزفها سياسيًا واقتصاديًا، في لحظة تتعرض فيها لضغط دولي مرتبط بملفها النووي وأوضاعها الإقليمية.
وتشير القراءة الأولية إلى أن القيادة الإيرانية تسعى للحفاظ على معادلة الردع من دون الانجرار إلى حرب مباشرة، إذ تدرك أن أي مواجهة واسعة مع إسرائيل قد تستدرج تدخلاً دوليًا أكبر وتضع برنامجها النووي في عين العاصفة، ما يجعل الساحة اللبنانية بالنسبة لها خيارًا أقل كلفة وأكثر قدرة على امتصاص الضربات.
حزب الله في زاوية حرجة بين الداخل والخارج
على الضفة الأخرى، يقف حزب الله أمام معادلة معقدة؛ فالضغوط الخارجية تضعه في موقع المستهدف الدائم، فيما يشهد الداخل اللبناني أزمة سياسية واقتصادية تجعل أي مواجهة واسعة عبئًا يصعب تحمّله.
ويدرك الحزب أن الرد غير المحسوب سيفتح الباب أمام حرب لا يمكن التنبؤ بنتائجها، خاصة في ظل تراجع بيئته اللوجستية والإنهاك الذي سببته سنوات الانخراط في ساحات متعددة.
ويبدو أن الدعوة العلنية لإعادة النظر في سياسة “الصبر الاستراتيجي” ليست مجرد انتقاد مبطن، بل إشارة إلى رغبة في تحويل الحزب إلى رأس حربة يعيد لإيران المبادرة الإقليمية.
غير أن هذا المسار يتعارض مع حسابات الحزب، الذي يسعى إلى ضبط إيقاع المواجهة بما يضمن بقاء الاشتباك تحت سقف محدود، من دون منح إسرائيل ذريعة لتوسيع نطاق الحرب.
أسئلة مفتوحة حول دوافع طهران
وقد أثارت الرسائل الإيرانية تساؤلات حول سبب عدم تبني طهران ردًا مباشرًا على استهداف شخصية تُعد امتدادًا لنفوذها العسكري خارج حدودها. وتطرح هذه التساؤلات احتمالات متنوعة، من بينها رغبة إيران في تجنب مواجهة مباشرة مع تل أبيب، أو سعيها إلى اختبار هامش الحركة لدى حزب الله قبل اتخاذ قرار أكثر جرأة.
وقد يُفهم هذا التوجه أيضًا كجزء من محاولة إيرانية لإعادة رسم قواعد الاشتباك بعد سلسلة عمليات نوعية استهدفت مواقعها ونفوذها في المنطقة.
مشهد إقليمي مرشح لمزيد من التعقيد
وبين الضغوط الإسرائيلية المتصاعدة والمواقف الإيرانية التي تبدو أكثر إصرارًا على استعادة الردع، يجد لبنان نفسه أمام احتمال انزلاق تدريجي نحو مواجهة لا يريدها، لكنها قد تُفرض عليه بفعل حسابات إقليمية تتجاوز إرادة الداخل.
في المقابل، يظل حزب الله عالقًا بين استحقاق الرد على اغتيال قيادي بارز ورغبة واضحة في تجنب حرب شاملة.

