تسير تونس نحو فصل جديد في صراعها مع تنظيم الإخوان، بعد إصدار أحكام قضائية مشددة طالت شخصيات بارزة في الحركة الارهابية، في خطوة عكست اتجاهًا واضحًا من السلطات لتفكيك ما تبقى من نفوذ التنظيم داخل المشهد السياسي.
جاءت الأحكام الأخيرة بمثابة إشارة إلى أن الدولة التونسية باتت ترى في هذه القيادات مصدر تهديد مباشر لاستقرار البلاد، خصوصًا بعد توجيه اتهامات تتعلق بالتآمر والتحريض على المسّ بالأمن الوطني.
سجن لقيادات ثقيلة داخل النهضة
وقد حوكم تسعة من كبار مسؤولي الحركة بعقوبات تراوحت بين السجن لسنوات طويلة والأحكام الإدارية المرافقة، وشملت الأسماء المدانة قيادات لعبت أدوارًا محورية في هيكلة الإخوان داخل تونس.
ومن بين أبرز المحكومين المسؤول السابق عن المكتب الإعلامي للحركة، عبدالفتاح التاغوتي، إضافة إلى شخصيات أخرى مثل محمد صالح بوعلاقي، جمال الباروني، فريد المديني، وعدنان القسنطيني، الذين وجهت إليهم تهم ترتبط بأنشطة اعتبرتها الدولة ضربًا للأمن القومي ومحاولة لإشعال الفوضى.
وتعود جذور القضية إلى خريف عام 2024 حين رصدت الجهات المختصة تحركات اعتبرت جزءًا من مخطط لإرباك المشهد التونسي عبر نشر معلومات مضللة وخلق حالة من الاحتقان في الشارع.
وتزامن ذلك مع مرحلة حساسة كانت البلاد تمر بها على المستويين السياسي والاجتماعي، ما عزز من قناعة المؤسسات الأمنية بأن الهدف كان زعزعة الثقة في الدولة ومحاولة الضغط على مسارها الإصلاحي.
مسارات سياسية أغلقت وانكشاف شبكات التنظيم
تكشف الأحكام القضائية الأخيرة حجم النفوذ الذي راكمه تنظيم الإخوان خلال سنوات ما بعد 2011، وكيف أحكمت قيادات بعينها السيطرة على مفاصل حساسة داخل الدولة، سواء عبر المناصب الحكومية أو عبر شبكات تواصل وتأثير غير معلنة.
وترى أوساط سياسية أن الحكم على قيادات من وزن التاغوتي والباروني يعكس رغبة واضحة من السلطات في إغلاق المسارات التي كانت تستخدمها الحركة لتعزيز حضورها السياسي رغم تراجع شعبيتها.
ويظهر هذا التوجه بوضوح في تتبع ملفات تتعلق بما يعرف بـ”الجهاز السري” الذي ارتبط باسم رضا الباروني وغيره، وهو ملف أثار جدلًا واسعًا في البلاد لسنوات لارتباطه باغتيالات سياسية اعتبرت من أخطر الأحداث في العقد الأخير.
وقد أعادت هذه الأحكام النقاش حول قدرة الدولة على تفكيك هياكل أمنية موازية كانت تتمتع بامتدادات مؤثرة داخل مؤسسات حساسة.
ضربة لأحلام العودة إلى الحكم
تشير القراءة العامة للملف إلى أن الحكم على هذه المجموعة يمثّل ضربة قاسية لطموحات تنظيم الإخوان في تونس، الذي حاول في الفترة الماضية العودة إلى الواجهة عبر التحالفات السياسية أو عبر تحريك قواعده الشعبية.
غير أن القرارات المتتالية التي اتخذتها الدولة في السنوات الأخيرة، ومنها حل مجالس كانت تهيمن عليها النهضة وإعادة تنظيم المؤسسات الدستورية، جعلت هذه العودة شبه مستحيلة.
كما تكشف القضية عن حجم التراجع داخل البنية التنظيمية للإخوان، إذ باتت القيادات العليا نفسها تواجه أحكامًا ثقيلة، ما يضعف قدرتها على التحرك أو التأثير، ويجعل التنظيم في حالة انكماش لم يعرفها منذ عقود.
تونس ترسم ملامح مرحلة جديدة
تدل الأحكام الأخيرة على أن تونس تتحرك في اتجاه فرض نظام سياسي خالٍ من الممارسات التي تهدد مؤسسات الدولة.
ورغم الجدل الذي يمكن أن تثيره مثل هذه الملفات، فإن المؤشرات الحالية تؤكد أن الدولة مستمرة في محاصرة كل الشبكات التي تراها مصدر خطر على الاستقرار الداخلي.

