تعيش العاصمة اليمنية صنعاء على وقع موجة غضب متصاعدة بعد أن أصدرت محكمة خاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي أوامر بإعدام سبعة عشر مواطنًا في جلسات متسارعة لم تمنح المتهمين ولا محاميهم الوقت الكافي للدفاع أو الاطلاع على الملفات.
الأحكام جاءت بعد محاكمات قصيرة لم تتجاوز بضعة أيام، في وقت يرى فيه مراقبون أن هذه الإجراءات جرى إعدادها بعجلة شديدة تعكس غياب معايير العدالة وضمانات التقاضي.
المتهمون يواجهون تهمًا ثقيلة تتعلق بما سماه الحوثيون “جرائم تخابر”، لكن الملابسات المحيطة بالمحاكمة وطريقة إدارتها أثارت شكوكًا واسعة حول دوافعها، إذ يتم الحديث عن أن جماعة الحوثي تحاول توجيه رسالة داخلية توحي بأنها لا تزال قادرة على ضبط الأمن واحتواء أي اختراق محتمل.
مشهد قضائي بلا معايير
المحكمة التي نظرت في القضايا تعرف بأنها مختصة عادة بملفات الإرهاب وأمن الدولة، إلا أن الجلسات جرت بوتيرة سريعة غير معتادة، ما رسخ الاعتقاد بأن القرار كان متخذاً مسبقاً وأن الإجراءات جاءت مجرد غطاء شكلي.
ومحامو المتهمين لم يمنحوا إلا دقائق محدودة للاطلاع على أوراق متناثرة من الملفات، ولم يسمح لهم بالحصول على نسخ كاملة أو تقديم دفوع شاملة، الأمر الذي وصفه حقوقيون بأنه أقرب إلى “إجراءات صورية” لا تحمل أي معنى قانوني.
كما تم الإعلان عن أحكام إضافية شملت السجن لعدد من المتهمين، إضافة إلى تبرئة آخرين، لكن هذه التفاصيل لم تُعلن رسميًا داخل قاعة المحكمة، بل تسربت عبر متابعين حضروا الجلسات في ظل رقابة أمنية مشددة.
قائمة الضحايا واستغلال اللحظة الأمنية
الأحكام تأتي في لحظة سياسية وأمنية حساسة تعيشها الجماعة، حيث تواجه أزمات داخلية متفاقمة وتحديات ناتجة عن اختراقات أمنية غير مسبوقة، يقال إنها أدت إلى خسائر كبيرة في صفوف قادتها الميدانيين والبارزين.
ويرى مراقبون أن اللجوء إلى أحكام الإعدام بهذا العدد وفي وقت وجيز يعكس محاولة لاستعادة الهيبة وضبط الساحة الداخلية عبر تخويف المجتمع وإظهار قدرة على السيطرة.
الحديث المتداول يشير أيضًا إلى توسع حملة الاعتقالات التي طالت مدنيين وموظفين وناشطين، يجري اتهامهم بارتباطات مزعومة بقوى خارجية.
والملف بات يتضخم في الأسابيع الأخيرة مع تزايد عمليات الاحتجاز من قبل جهاز أمني يقوده أحد أبناء مؤسس الجماعة، في خطوة توحي بأن الدائرة الأمنية للحوثيين تتجه نحو تشديد غير مسبوق.
أحكام بلا عدالة وقلق يتصاعد بين الأسر
الأهالي يعيشون حالة من القلق والانتظار وسط مخاوف من تنفيذ الأحكام في الميادين العامة، وهو الأسلوب الذي لجأت إليه الجماعة في مراحل سابقة لفرض واقع الرعب والتحكم بالمشهد الاجتماعي.
وكثير من الأسر لم تتمكن من حضور الجلسات ولا معرفة الوضع القانوني لأبنائها، وبعضها يؤكد أنه لم يُسمح لها حتى بتوكيل محامين مستقلين.
وإضافة إلى ذلك، تتحدث تقارير حقوقية عن تدخلات مباشرة من قيادات حوثية في مسار المحكمة، وعن تهديدات طالت محامين حاولوا نشر بعض تفاصيل المحاكمة للرأي العام.
هذه الأجواء دفعت ناشطين للتحذير من أن تنفيذ الإعدامات قد يفتح الباب أمام موجة استنكار محلية ودولية، ويكرّس صورة القضاء في مناطق الحوثيين كأداة قمع لا علاقة لها بالقانون.

