لا يزال ملف الفراغ الحكومي في بغداد العنوان الأبرز في المشهد السياسي العراقي منذ أسابيع، وسط تعقيدات متشابكة بين الكتل الكبرى، واشتباك المصالح الإقليمية والدولية، وتباين الحسابات داخل التحالفات نفسها.
وقالت مصادر إن القوى السياسية تسعى إلى تجنب انزلاق البلاد نحو سيناريوهات أكثر هشاشة، خاصة في ظل الضغوط الشعبية والغضب المتصاعد من تراجع الخدمات، وتباطؤ المشاريع، وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
وأوضحت المصادر أنه بين مناورات اللحظة الأخيرة واشتداد التنافس على الحقائب السيادية والوزارات الخدمية، يبدو أن الوصول إلى صيغة توافقية ما زال معلّقًا على خيوط دقيقة.
خلفيات الأزمة
وكشفت المصادر أن الأزمة الحالية بدأت بعد تعثر جهود تشكيل الحكومة إثر الانقسامات داخل البيت السياسي، حيث ظهر خلاف حاد بين الكتل حول آليات ترشيح رئيس الوزراء، وشروط الكتل المؤثرة، وتقاسم النفوذ بين الحكومة والبرلمان والهيئات المستقلة.
وأشارت المصادر إلى أن جزءًا من التعقيد مرتبط بتضارب الطموحات داخل التحالفات نفسها، خصوصًا مع رغبة كل كتلة في ضمان أكبر قدر من النفوذ في مؤسسات الدولة، إضافة إلى الضغوط من قواعدها الشعبية.
هل يقترب العراق من انفراج أم انفجار؟
وأكدت المصادر أن العراق يقف الآن أمام لحظة مفصلية قد تقود إلى انفراج سياسي أو تزيد الأزمة تعقيدًا، فالقوى السياسية وصلت إلى مرحلة تدرك فيها أن استمرار الفراغ ليس في صالح أحد، لكنه في الوقت نفسه أصبح ورقة ضغط تستخدمها بعض الأطراف لتعزيز شروط التفاوض.
وبينما تتسارع اللقاءات خلف الكواليس، تشير المعطيات إلى أن كل طرف يعتقد أنه الأقرب إلى امتلاك مفتاح الحل، ما يجعل الأزمة تدور في حلقة تفاوضية مغلقة.
خارطة الطريق الممكنة
كما تحدثت مصادر سياسية عن ثلاثة سيناريوهات يتداولها صناع القرار، ومنها اتفاق شامل يُغلق الفراغ سريعًا، حيث يعتمد على تنازل أطراف مؤثرة عن شروطها لصالح الاستقرار، ويُرجّح أن ينتج هذا السيناريو حكومة متوازنة ذات برنامج واضح ووزراء مقبولين من معظم الكتل.
والسيناريو الثاني، وفق المصادر، هو حلٌّ منقوص وتشكيل حكومة بفاقد سياسي، وفيه تجري القوى الأكثر قوة على مستوى البرلمان تشكيل الحكومة بمن حضر، مع ترك الباب مفتوحًا أمام الآخرين للانضمام لاحقًا. لكن هذا السيناريو يواجه مخاطر تعميق الانقسام.
أما السيناريو الثالث فهو استمرار الفراغ وتأجيل الحسم، وهو أخطر الخيارات، لأنه قد يضع البلاد أمام شلل إداري ومالي، خاصة مع تعطل تمرير الموازنة العامة، وتعليق المشاريع التنموية، وتراجع الثقة الدولية.
ما المطلوب لإغلاق ملف الفراغ الحكومي؟
وترى المصادر أن الحل يعتمد على ثلاثة مفاتيح أساسية، منها التوافق على شخصية رئيس الوزراء، حيث يُعد اختيار شخصية وسطية مقبولة من معظم الأطراف الشرط الأول لأي انفراج، خصوصًا إذا امتلك المرشح سجلًا إداريًا قويًا وخبرة في إدارة التوازنات السياسية.
كما أوضحت أن المطلوب هو توزيع الحقائب وفق معايير واضحة مثل الكفاءة والخبرة والنزاهة، بعيدًا عن المحاصصة التقليدية التي أدت في السنوات الماضية إلى ضعف الأداء الحكومي، إضافة إلى ضمانات سياسية ملزمة تشمل الاتفاق على خارطة إصلاح اقتصادي، وتثبيت صلاحيات رئيس الوزراء، وتحديد آليات مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي.
وبينما يراقب الشارع تطورات اللحظة الحاسمة، أكدت المصادر أن لا أحد يمتلك المفتاح وحده، لكن الجميع قادرون على صنع الحل إن توفرت الإرادة السياسية.

