منذ مطلع العقد الماضي، روّجت إيران لفكرة أن المرشد الأعلى أصدر فتوى تُحَرّم تطوير أو استخدام السلاح النووي، وأن هذا المبدأ غير قابل للنقاش. لكن عند تفحّص الوثائق الرسمية، لا يوجد نصّ فقهي مكتوب بالصيغة التقليدية للفتاوى الدينية المعروفة؛ ما يتوفر هو تصريحات ومواقف متكررة للمرشد تؤكد عدم شرعية مثل هذا السلاح.
الجدل المتجدّد
وقالت مصادر إن هذا الغموض في الصياغة فتح الباب أمام تفسيرات متعددة: هل هي فتوى شرعية مُلزِمة؟ أم موقف سياسي أريد له أن يأخذ طابعًا دينيًا لحماية البرنامج النووي من الانتقادات الدولية؟
وأكدت المصادر أنه مع الحديث عن وقف التخصيب، يعود الجدل ليتجدّد حول ما إذا كان هذا التراجع يعكس مراجعة ضمنية لموقف ديني، أم مجرد مناورة سياسية مؤقتة.
الضغوط الاقتصادية الخانقة
وأوضحت المصادر أنه لا يمكن فصل خطوة إيقاف التخصيب عن البيئة الضاغطة المحيطة بإيران؛ فقد شهدت طهران خلال العامين الأخيرين ضغوطًا اقتصادية خانقة، وتصاعدًا في الهجمات السيبرانية على منشآتها النووية، إضافة إلى تحركات إسرائيلية وأميركية تتهم إيران بأنها اقتربت من العتبة النووية.
وقالت إنه قد يبدو قرار إيقاف التخصيب محاولة لتخفيف الضغط وفتح نافذة للتفاوض، لكنه في الوقت ذاته قد يعكس تقييمًا داخليًا بأن مستوى المخاطرة بات أعلى من الفائدة، وأن استمرار التخصيب عند مستويات تفوق 60% قد يفتح بابًا لمواجهة مفتوحة.
العلاقة المتداخلة بين الفتوى والسياسة
وأشارت المصادر إلى أنه تاريخيًا، استخدمت الأنظمة السياسية الفتاوى لتقوية خطابها الداخلي وتبرير خياراتها الخارجية. وفي النموذج الإيراني، تُعدّ العلاقة بين الفقه والدولة علاقة متداخلة، حيث يصعب الفصل بين الديني والسياسي. لذلك فإن فتوى تحريم السلاح النووي يمكن قراءتها من زاويتين:
الأولى وهي الزاوية السياسية، حيث كانت الفتوى وسيلة لطمأنة المجتمع الدولي، بينما كانت إيران تعمل على تقوية برنامجها النووي لأغراض متعددة، أغلبها الردع السياسي والعسكري دون الوصول إلى إنتاج القنبلة. والتحول الحالي قد يعكس انزياحًا من الخطاب العقائدي نحو الواقعية السياسية، حيث تدرك طهران أن الاستمرار في التصعيد قد يواجه بالرد العسكري المباشر، وهو ما لا تتحمله البلاد في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.
تساؤلات الغرب وإسرائيل
وأوضحت المصادر أنه من منظور غربي وإسرائيلي، أي توقف للتخصيب يُعد مؤشرًا على أن الضغوط أثمرت، لكن هناك قلقًا دفينًا: هل هو تراجع حقيقي؟ أم مجرد خطوة تكتيكية لإعادة البرنامج إلى الظل؟
وقالت إن إسرائيل تحديدًا لا تزال تؤمن بأن إيران تسعى لامتلاك القدرة وليس السلاح نفسه؛ ما يبقي الفتوى عاملًا رمزيًا لا يعكس النية الفعلية. وتخشى تل أبيب من أن إيقاف التخصيب مؤقت، وأن إيران ستعود إليه فور انتهاء الضغوط.
وترى المصادر أن إيقاف التخصيب ليس خطوة تقنية فحسب، بل تحول يمسّ الركائز الفقهية والسياسية التي اعتمدت عليها إيران طوال العقدين الماضيين. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما الذي يمثّله هذا التحول؟ لكن ما يمكن الجزم به، وفق ما طرحته المصادر، هو أن الملف النووي الإيراني يقف عند مفترق طرق حقيقي، وأن الفتوى التي شكّلت لعقدين مظلة سياسية ودينية قد تكون أمام اختبارها الأهم منذ صدورها.

