يشهد السودان واحدة من أكثر مراحله اضطرابًا منذ اندلاع الحرب، لكن سقوط مدينة الفاشر في إقليم دارفور لم يكن مجرد خسارة ميدانية عابرة، بل كشف عن أزمة عميقة تضرب قلب المؤسسة العسكرية.
وقالت مصادر إن السبب الحقيقي وراء هذا الانهيار يكمن في انعدام الثقة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والحركة الإسلامية، التي كانت تاريخيًا الحليف الأقرب للمؤسسة العسكرية. ومع تراكم الخلافات حول إدارة الحرب ومستقبل السلطة، تفجّرت الانقسامات داخل الجيش نفسه، ما جعل المشهد السياسي والعسكري أكثر هشاشة وغموضًا.
ما هي جذور الأزمة بين الإسلاميين والبرهان؟
وأوضحت المصادر أنه منذ اندلاع الحرب في السودان، حاول البرهان تقديم نفسه كقائد وطني يقاتل من أجل بقاء الدولة، لكن الحركة الإسلامية، التي تعتبر نفسها العمود الفقري للمؤسسة العسكرية منذ عهد البشير، رأت أن البرهان بدأ ينقلب على التحالف الذي أنقذه من العزلة بعد انقلاب 2021. ففي الوقت الذي اعتمد فيه البرهان على الكوادر الإسلامية لتعبئة الجبهات وتجهيز المقاتلين، شرع في تبنّي خطاب سياسي منفتح على القوى المدنية والمجتمع الدولي، وهو ما أثار غضب الإسلاميين الذين اعتبروا ذلك خيانة لتحالف الضرورة.
وكشفت المصادر أن التوترات تزايدت مع قرارات البرهان الأخيرة التي همّشت قيادات محسوبة على الإسلاميين داخل الجيش، إضافة إلى تصريحات صدرت من مكتبه تؤكد التزامه بالانتقال المدني، وهو ما رآه الإسلاميون مؤامرة لإقصائهم بعد انتهاء الحرب.
سقوط الفاشر
وقالت المصادر إنه عندما سقطت الفاشر، كانت المؤشرات العسكرية تشير إلى ضعف التنسيق الميداني بين الوحدات التابعة للجيش والقوات ذات التوجه الإسلامي.
وترى المصادر أن سقوط الفاشر لم يكن نتيجة لمعركة خاسرة فحسب، بل كان انعكاسًا لتفكك الثقة داخل الجيش، إذ أظهرت المعركة أن التحالف بين البرهان والإسلاميين وصل إلى نقطة الانفجار، ومع فقدان السيطرة على المدينة، بدأت مرحلة جديدة من الصراع النفسي والسياسي داخل المؤسسة العسكرية، وسط دعوات متزايدة لإعادة هيكلة القيادة.
مستقبل غامض
وأشارت المصادر إلى أنه بعد سقوط الفاشر، أصبح المشهد السوداني أكثر هشاشة، إذ تتبدّل التحالفات بسرعة غير مسبوقة، حيث تسعى بعض الحركات الإسلامية إلى تشكيل تحالفات جديدة مع فصائل مسلحة محلية، بينما تدرس فصائل دارفورية خيارات الحوار مع الدعم السريع بعيدًا عن الخرطوم.
وأوضحت المصادر أن السودان يدخل مرحلة إعادة رسم الخرائط العسكرية والسياسية، حيث قد تنشأ كيانات جديدة تتنافس على الشرعية، وفي ظل غياب الثقة بين البرهان وحلفائه السابقين، تبدو فرص استعادة تماسك الجيش محدودة، ما يفتح الباب أمام استمرار الصراع وربما انزلاق البلاد نحو تفكك أوسع.

