شكّل قرار الأمم المتحدة نقل مقر منسقها للشؤون الإنسانية من صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي إلى العاصمة المؤقتة عدن تطورًا مهمًا في مسار التعامل الأممي مع الأزمة اليمنية.
الخطوة لم تكن مجرد تعديل إداري، بل حملت أبعادًا سياسية واضحة، إذ تعكس تصاعد المخاوف من بيئة غير آمنة في مناطق الحوثيين، وتلمّح إلى انعدام الثقة في قدرة الجماعة على ضمان سلامة طواقم الإغاثة الدولية.
ضغوط متراكمة على خلفية الاعتقالات
جاء التحرك الأممي بعد سلسلة من الاعتقالات التي طالت عشرات الموظفين المحليين والدوليين العاملين في المنظمات الأممية خلال الأشهر الماضية.
وبحسب بيانات رسمية، ما زال الحوثيون يحتجزون أكثر من 40 موظف إغاثة، بينهم عناصر من برنامج الأغذية العالمي ووكالات أخرى. ولم تقتصر هذه الممارسات على تقويض العمل الإنساني، بل شكّلت رسالة تحدٍ مباشرة للمجتمع الدولي، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى إعادة تموضعها بعيدًا عن قبضة الحوثيين.
قراءة سياسية للقرار
من زاوية سياسية، يعكس نقل المقر الأممي إلى عدن انحيازًا عمليًا إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، حتى وإن ظل الخطاب الرسمي للأمم المتحدة يؤكد على الحياد.
وجود المقر في مدينة عدن يمنح الشرعية دفعة معنوية، فيما يضع الحوثيين أمام مأزق العزلة؛ فالمجتمع الدولي، الذي لطالما اتُّهم بالتساهل مع الجماعة، يوجّه اليوم إشارة واضحة بأن التعامل مع سلطة أمر واقع قد فقد الكثير من شرعيته.
الحوثيون بين الردع والعزلة
يمثل قرار الأمم المتحدة سلاحًا ذا حدين بالنسبة للحوثيين، فمن جهة قد يدفعهم إلى تشديد قبضتهم الأمنية وإظهار تحدٍ أكبر عبر إبقاء الموظفين المعتقلين كورقة ضغط.
ومن جهة أخرى، قد يجدون أنفسهم أمام أزمة عزلة خانقة، حيث ينكمش الوجود الأممي والدولي في مناطقهم، ما يزيد من صعوبة الحصول على المساعدات والتمويلات الإنسانية التي يعتمدون عليها لتثبيت سلطتهم داخليًا.
انعكاسات إنسانية معقدة
ورغم الطابع السياسي للقرار، إلا أن التداعيات الإنسانية تثير القلق. فنقل المقر إلى عدن قد يسهّل عمل الأمم المتحدة في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، لكنه في المقابل يطرح تساؤلات حول قدرة المنظمة على إيصال المساعدات إلى ملايين اليمنيين في الشمال، حيث الكثافة السكانية الأعلى.
وفي ظل استمرار الحوثيين في تقييد حركة المنظمات الإنسانية، قد تتفاقم معاناة الفئات الأشد ضعفًا.
موقف الحكومة اليمنية
رحبت الحكومة اليمنية سريعًا بالقرار، ودعت باقي الوكالات الأممية إلى أن تحذو حذو منسق الشؤون الإنسانية. وبالنسبة لها، يشكّل هذا التحول مكسبًا سياسيًا يعزز من مكانتها كجهة شرعية وحيدة أمام المجتمع الدولي.
غير أن التحدي يبقى في ترجمة هذا الاعتراف الرمزي إلى نفوذ فعلي على الأرض، خصوصًا في ظل هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي في الجنوب.
مستقبل العلاقة بين الحوثيين والأمم المتحدة
لا يعني قرار الأمم المتحدة قطع خطوط التواصل مع الحوثيين بشكل كامل، إذ أكد متحدث أممي أن وجودًا محدودًا سيظل قائمًا في صنعاء.
لكن الرسالة الأقوى تكمن في أن استمرار الاعتقالات والتضييق سيقابَل بخطوات تدريجية نحو تقليص التعاون. وهنا يقف الحوثيون أمام خيارين: إما التراجع عن سياساتهم التصعيدية، أو مواجهة عزلة قد تحرمهم من واحد من أهم مصادر شرعيتهم أمام المجتمع الدولي.
–