مع كل ضربة يتلقاها تنظيم داعش الارهابي، يثبت قدرته على التكيف وإعادة التموضع في مناطق هشة أمنيًا.
التنظيم الذي فقد خلافته في العراق وسوريا منذ أعوام، عاد ليستغل هشاشة الاستقرار في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
تقارير أممية حذرت من أن التنظيم بات يوظف أدوات غير تقليدية، على رأسها الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، لتوسيع دائرة تجنيده وتعزيز دعايته العابرة للحدود.
إفريقيا في قلب العاصفة
تُشير الأمم المتحدة إلى أن منطقة الساحل الإفريقي تحولت إلى أحد أبرز معاقل التنظيم النشطة.
في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، نشأت شبكات لوجستية ومالية تعزز من حضور التنظيم، وتوفر بيئة خصبة لاستقطاب مقاتلين أجانب.
وفي الصومال، ورغم نجاح القوات الحكومية في صد هجوم واسع أسفر عن مقتل المئات من عناصر التنظيم، فإن داعش لا يزال قادرًا على الاستفادة من دعم إقليمي، ما يجعله تهديدًا مستمرًا. أما في حوض بحيرة تشاد، فيحصل على تمويل خارجي وأسلحة متطورة، بينها طائرات مسيرة وخبرات في تصنيع العبوات الناسفة، وهو ما يزيد من تعقيد المواجهة.
العراق وسوريا.. عودة إلى البادية
رغم الهزيمة العسكرية في العراق عام 2017، فإن خلايا التنظيم لم تختفِ، بل أعادت تمركزها في مناطق صحراوية واسعة، خصوصًا البادية السورية.
تلك المناطق تستخدم اليوم كملاذ آمن لإطلاق عمليات كرّ وفر تستهدف القوات المحلية وتستغل الثغرات الأمنية، كما يسعى التنظيم إلى إذكاء التوترات الطائفية عبر هجمات تستهدف مدنيين وبنى تحتية، بهدف إرباك السلطات وإعادة بناء شبكة نفوذه.
تهديد متصاعد من “ولاية خراسان”
في أفغانستان وآسيا الوسطى، يتصدر فرع التنظيم المعروف بولاية خراسان مشهد الخطر، هذا الفرع يعد اليوم الأكثر نشاطًا، إذ ينفذ عمليات ضد مدنيين وأقليات دينية وأهداف دولية، معتمدًا بشكل متزايد على الحملات الدعائية الرقمية.
ويُؤكد خبراء أمميون أن هذه الجهود عبر الإنترنت سمحت للتنظيم بالوصول إلى جماهير جديدة خارج نطاقه الجغرافي، خصوصًا في أوروبا.
الذكاء الاصطناعي كساحة معركة جديدة
أبرز ما يقلق المجتمع الدولي هو انتقال التنظيم إلى استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، فالتنظيم يوظف هذه التقنيات في إنتاج محتوى دعائي أكثر إقناعًا وانتشارًا، واستخدامها في عمليات التجنيد عبر العالم الرقمي.
كما يشمل ذلك تطبيقات متقدمة في التزوير، والتخفي الرقمي، وربما حتى في تطوير وسائل قتالية بدائية، هذا التطور يجعل من مواجهة داعش أكثر تعقيدًا، إذ لم يعد التهديد مقصورًا على السلاح التقليدي، بل انتقل إلى الفضاء السيبراني حيث الحدود متلاشية.
لم تسلم القارة الأوروبية من هذا التمدد غير المرئي، إذ تشير التحذيرات الأممية إلى أن التنظيم يواصل استخدام أدواته الرقمية لاستقطاب عناصر جديدة وجمع التمويل، معتمدًا على الدعاية الإلكترونية التي تتجاوز الرقابة التقليدية.
ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، يطرح ذلك تحديًا بالغ الخطورة على أجهزة الأمن الأوروبية التي تسعى لمواكبة هذا التطور السريع.
الحاجة إلى حلول مبتكرة
التحذيرات الأممية لا تقتصر على رسم صورة التهديد، بل تمتد إلى الدعوة لمقاربات جديدة، فبينما يستخدم “داعش” الذكاء الاصطناعي لتعزيز حضوره، فإن التقنية نفسها يمكن أن تكون أداة لمواجهته، عبر أنظمة قادرة على رصد الدعاية الإرهابية مبكرًا وتعطيلها، وتعقب التمويل الرقمي، وكشف الشبكات الخفية.
غير أن ذلك يتطلب تعاونًا دوليًا واسعًا، واستثمارات أمنية وتقنية ضخمة، قبل أن يتحول الخطر إلى واقع يصعب احتواؤه.