ذات صلة

جمع

السويداء تحت النار مجددًا.. هل تنزلق المدينة إلى دوامة الصدام المفتوح؟

عادت محافظة السويداء، جنوب سوريا، لتتصدر مشهد التوتر في...

العملة المعدنية الحوثية: تصعيد اقتصادي يُهدد الاستقرار في اليمن

في خطوة مفاجئة، أعلنت ميليشيا الحوثي إصدار ورقة نقدية...

ضربات دقيقة واتهامات بالتجسس.. هل تُفكك شبكة أنفاق الحوثيين السرية من الداخل؟

في خطوة تعكس حالة الارتباك والانقسام الداخلي، نفذت ميليشيا...

العملة المعدنية الحوثية: تصعيد اقتصادي يُهدد الاستقرار في اليمن

في خطوة مفاجئة، أعلنت ميليشيا الحوثي إصدار ورقة نقدية جديدة من فئة “مائتي ريال” للتداول ابتداءً من يوم الأربعاء، بعد أيام من إصدار عملة معدنية فئة 50 ريالًا، وأكثر من عام على طرح العملة المعدنية من فئة 100 ريال.

وتأتي هذه الخطوة الحوثية الأخيرة في سياق ما أصبح يُعرف بـ”الحرب الاقتصادية” بين صنعاء وعدن، وتفتح جبهة جديدة في صراع يهدد استقرار النظام المالي الهش في اليمن.

تبريرات الحوثيين للعملة الجديدة

وبحسب بيان صادر عن البنك المركزي في صنعاء (الخاضع للحوثيين)، فإن إصدار الورقة النقدية الجديدة يهدف إلى “ترميم ومعالجة النظام النقدي، والحفاظ على القوة الشرائية، وإنهاء أزمة الأوراق التالفة”، مع تأكيدهم أن الخطوة لا تستهدف زيادة الكتلة النقدية أو التأثير على أسعار الصرف.

لكن مراقبين يرون أن هذه الخطوة تعكس محاولة الحوثيين فرض سيطرة اقتصادية أكبر على مناطق نفوذهم، وتثبيت الانقسام النقدي الذي بدأ يتعمق منذ سنوات.

ردود فعل غاضبة.. عدن والاتحاد الأوروبي يرفضان

ومن ناحيته؛ وصف البنك المركزي اليمني في عدن الخطوة الحوثية بأنها “تصعيد خطير” ينسف التفاهمات الاقتصادية، ويقوض جهود المبعوث الأممي الهادفة إلى خفض التصعيد الاقتصادي.

كما شدد على أن البنك في عدن هو الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بإصدار العملة القانونية في اليمن، محذرًا من أن التعامل بالعملة الجديدة يُعد تزويرًا يعرض المتورطين للعقوبات.

بدوره، أعلن الاتحاد الأوروبي رفضه القاطع لإصدار الحوثيين عملات نقدية جديدة، مؤكدًا دعمه للبنك المركزي في عدن بوصفه “الركيزة الأساسية لاستقرار الاقتصاد اليمني”.

وأشار سفراء الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك عقب لقائهم بمحافظ البنك المركزي في عدن، أحمد غالب المعبقي، إلى أن أي محاولات أخرى لسك العملة تُعد انتهاكًا صارخًا للنظام المالي.

تأثيرات اقتصادية مدمرة.. تصعيد يهدد قوت الناس

ويزيد إصدار العملة الجديدة من تعقيد المشهد النقدي، في بلد يعاني أصلًا من انقسام مالي حاد منذ عام 2016، إذ أدى النزاع على السياسة النقدية إلى انهيار الريال في الجنوب، الذي تخطى عتبة 2500 ريال للدولار، بينما يظل سعره في مناطق الحوثيين شبه مستقر بحدود 537 ريالًا للدولار، بفعل الرقابة المشددة ومنع تداول الأوراق الجديدة الصادرة من عدن.

وتهدد الخطوة الحوثية الأخيرة بزيادة معدلات التضخم، وإغراق السوق بمزيد من السيولة غير المدعومة، مما سيؤدي إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين، خصوصًا في الشمال.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومع هذه الإجراءات، ستتفاقم الأزمات المعيشية، وترتفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ما يهدد حياة الملايين.

سيناريوهات متوقعة لأزمة العملة الحوثية

لذا يحتمل استمرار الانقسام النقدي بما يعني تعميق أزمة الثقة في العملة المحلية، وزيادة الاعتماد على الدولار والريال السعودي في التعاملات، أو انفجار التضخم مع زيادة الكتلة النقدية، قد تصل البلاد إلى معدلات تضخم مفرطة (Hyperinflation) يصعب السيطرة عليها.

ومن المتوقع أيضًا التدخل الدولي حيث قد تضطر الأمم المتحدة أو التحالف الداعم للحكومة الشرعية إلى التدخل بخطط عاجلة لإنقاذ الاقتصاد، مثل إعادة توحيد المنظومة المالية أو طرح عملة جديدة موحدة، وانهيار الخدمات الأساسية نتيجة تراجع الإيرادات وتراجع القوة الشرائية، ستتدهور القدرة على تمويل الرواتب والخدمات، ما قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي واسع.

أزمة نقد وأزمة وجود لدى الحوثيون

ويُجمع خبراء اقتصاديون على أن الحوثيين يحاولون عبر هذه الخطوات فرض واقع اقتصادي مستقل، يمهد لتكريس انفصال نقدي فعلي بين الشمال والجنوب، وفي ظل انهيار مؤسسات الدولة، وتعدد السلطات النقدية، يظل المواطن اليمني هو الضحية الأكبر، حيث يجد نفسه محاصرًا بين أسعار متضاربة، وسيولة مفقودة، وأزمات معيشية خانقة.

لذا فإصدار العملة المعدنية والورقية الجديدة من قبل الحوثيين ليس مجرد إجراء مالي، بل هو خطوة سياسية بامتياز، تعمق الانقسام وتدفع باليمن أكثر نحو حافة الانهيار الكامل، وفي بلد ينهكه الصراع منذ أكثر من عقد، يظل الاقتصاد أحد أخطر أسلحة الحرب، وأكثرها تدميرًا، في معركة لم يعد الخاسر فيها سوى الشعب اليمني.

spot_img