في ظل الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تمر بها تونس، تجد بعض الأطراف فرصة لإعادة التموضع داخل المشهد السياسي المتوتر، وعلى رأس هذه الأطراف حركة النهضة، التي تحاول استثمار الغضب الشعبي المتنامي للتغطية على ملفاتها الثقيلة والترويج لخطاب المظلومية الذي طالما اعتادت توظيفه كلما شعرت بأن الأرض تميد تحت أقدامها.
فبينما يواجه التونسيون صعوبات حقيقية تتعلق بتأمين المواد الأساسية، وتدهور سعر صرف الدينار، وتآكل القدرة الشرائية، تروّج الحركة لخطاب يدّعي الدفاع عن حقوق المواطنين، مستغلة الاحتقان الشعبي لتجييش الشارع وخلق حالة من التصعيد السياسي تبدو في ظاهرها معيشية واجتماعية، بينما تحمل في باطنها نوايا مبيتة لإرباك المسار السياسي الحالي.
تغيير الخطاب لكسب تعاطف دولي
ولم تكتفِ الحركة بتأجيج الداخل، بل سعت إلى تعديل خطابها الموجه للخارج، حيث ركزت على عبارات مثل: “الاضطهاد” و”المحاكمات السياسية” و”انهيار الديمقراطية”، في محاولة مكشوفة لتحريك منظمات دولية وحقوقية لصالحها.
هذا التبدل المفاجئ في الخطاب – من لهجة صدامية داخلية إلى لغة تصالحية موجّهة للمجتمع الدولي – يعكس رغبة النهضة في كسب التعاطف والضغط على السلطة القائمة، ليس من أجل استعادة المسار الديمقراطي، كما تدّعي، بل من أجل إنقاذ مشروعها السياسي المتعثر منذ أحداث 25 يوليو 2021، التي مثلت منعطفًا حاسمًا في علاقتها بالسلطة والمجتمع على حد سواء.
ارتباطات مع منظمات خارجية مشبوهة
في سياق هذا التصعيد، تسعى الحركة إلى تدويل ملفات قضائية محل متابعة داخلية، عبر تحالفها مع منظمات خارجية توصف بأنها مشبوهة، وتروّج لروايات متحيزة عن الوضع في تونس، مستخدمة أدوات إعلامية ومنابر حقوقية للتشويش على استقلال القضاء وتكذيب المسارات القانونية القائمة.
وتبدو هذه التحركات منسقة بدقة، وتتخذ طابعًا ممنهجًا في التواصل مع دوائر ضغط ومراكز نفوذ، خصوصًا في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تروّج النهضة لصورة مشوهة عن الوضع التونسي، في محاولة لخلق رأي عام خارجي مضاد لسياسات الرئيس قيس سعيد، وجرّ المجتمع الدولي إلى التدخل بشكل غير مباشر في الشأن الداخلي.
هل سقط المشروع أم يعيد ترتيب أوراقه؟
رغم تراجع حضورها الشعبي وتآكل نفوذها داخل مفاصل الدولة، تحاول النهضة اليوم إظهار نفسها كضحية، بعد أن فشلت في تقديم بديل حقيقي خلال السنوات التي تسلمت فيها الحكم.
الأزمات التي تعاني منها تونس اليوم، بما فيها الأزمة الاقتصادية الخانقة، هي امتداد لفشل منظومة سياسية كانت الحركة جزءًا رئيسيًا منها.
لكن المشروع لم يسقط نهائيًا، بل يبدو أنه يعيد ترتيب أوراقه بهدوء، مستفيدًا من ثغرات الوضع الداخلي، ومراهنًا على تعب الشارع ومحدودية الحلول المطروحة.