لم تكن فرنسا بمنأى عن مشروع جماعة الإخوان الإرهابية، التي لطالما اعتمدت على أدوات ناعمة وتكتيكات خفية لبناء نفوذها داخل المجتمعات الغربية.
في هذا السياق، تكشف تقارير استخباراتية فرنسية رفعت عنها السرية، أن الجماعة باتت تمتلك بنية تنظيمية متشعبة في البلاد، تتستر خلف واجهات جمعوية وتعليمية ودينية، لتكوين مجتمع موازٍ يهدد قيم الجمهورية الفرنسية العلمانية.
أساليب التغلغل التي تعتمدها الجماعة
وأشار تقرير المديرية العامة للأمن الداخلي في فرنسا، إلى تفاصيل دقيقة حول أساليب التغلغل التي تعتمدها الجماعة، مؤكدًا أنها لا تسعى فقط للتأثير الثقافي، بل لبناء منظومة فكرية مغلقة تستقطب الأفراد، خصوصًا من الفئات الشابة، وتبعدهم عن نموذج الاندماج في الدولة الفرنسية.
ولم يعد الحديث عن الإخوان في فرنسا مقتصرًا على المنابر الدينية، بل انتقل إلى المؤسسات التعليمية والجمعيات الشبابية ومنصات التواصل، حيث يستخدم التنظيم خطابًا مزدوجًا يروج للاندماج العلني، بينما يزرع بذور الانعزال في الخفاء.
أرقام تفضح التمدد
واوضح التقرير الأمني، أن الجماعة تبني نفوذها عبر أذرع عدة، من أبرزها منظمة “مسلمي فرنسا”، التي تعد الواجهة الأشهر لتنظيم الإخوان، وتسيطر على 139 مسجدًا في أنحاء البلاد.
كما أشار إلى وجود 280 جمعية تنشط ضمن إطار التيار الإخواني، وتنتشر في أكثر من 20 مقاطعة فرنسية.
وفي قطاع التعليم، الذي يشكل أولوية لدى التنظيم، تشير المعطيات، أن الجماعة تدير 21 مؤسسة تعليمية، منها 5 فقط معتمدة من الدولة، في حين تعمل البقية بمعزل عن الرقابة الرسمية، ما يجعلها بيئة مثالية لبث الأفكار الأيديولوجية المتطرفة، وفق ما أورده التقرير.
كما لفت التقرير إلى وجود 3 مدارس تتبع مباشرة للاتحاد الوطني للتعليم الإسلامي الخاص، والذي يشكل بدوره ركيزة من ركائز النفوذ التربوي الإخواني في فرنسا.
مشروع سياسي بلباس ديني
ووفق التقرير، لا يعتمد تنظيم الإخوان في فرنسا على العنف المباشر، بل ينتهج استراتيجية قائمة على ما تسميه الأجهزة الأمنية بـ”التخريب الناعم”.
وتمثل ذلك في محاولة “إعادة أسلمة” الأحياء الشعبية وتقديم نموذج للإسلام السياسي المتكيّف مع الغرب، يخدم أهداف الجماعة ويغذي خطاب الانفصال عن الدولة، دون الاصطدام المباشر بالقانون.
ويرى محللون، أن هذا التكتيك يهدف إلى خداع السلطات عبر خطاب مزدوج، يعكس في العلن الالتزام بالديمقراطية، بينما يُدار في الخفاء مشروع أيديولوجي يتحدى النموذج الفرنسي في المواطنة.
وتبرز خطورة هذا التوجه في قدرته على الاستفادة من الحريات المدنية لبناء نفوذ مؤسسي عبر المنصات الرقمية، يضخ الخطاب الإخواني محتوى ممنهجًا يستهدف الهوية الثقافية والدينية للشباب المسلم، ويعزز من رواية المظلومية والانفصال عن المجتمع الفرنسي.
ويخلص التقرير، أن استمرار هذا التمدد يمثل تحديًا أمنيًا وفكريًا خطيرًا، يتطلب استراتيجية شاملة تبدأ بإعادة تنظيم الشأن الديني الإسلامي في فرنسا، وتخضع الجمعيات والمؤسسات التربوية والدينية لرقابة دقيقة، تكشف الغطاء عن الشبكات التي تتخفى خلف العمل المدني، بينما تخدم أجندات تتعارض مع قيم الجمهورية.