تشهد الساحتان اللبنانية والسورية تحولات داخلية متسارعة، تعكس تنامي المطالب الشعبية بإعادة الاعتبار إلى مؤسسات الدولة، وإنهاء هيمنة القوى غير الرسمية المدعومة من الخارج، وفي مقدمتها تلك المرتبطة بالمحور الإيراني.
تأتي التحولات في سياق إقليمي يتّجه نحو إعادة تموضع سياسي وعسكري للعديد من الفاعلين.
أزمة في لبنان.. سلاح خارج سلطة الدولة
في لبنان، تتزايد الدعوات السياسية والشعبية لوضع حد لدور حزب الله في الحياة السياسية والأمنية، بعد سنوات من تثبيت معادلة السلاح غير الشرعي، وما تبعها من تعطيل للاستحقاقات الدستورية وتراجع دور الدولة المركزية.
ويعاني لبنان من أزمات متشابكة، أبرزها الانهيار المالي وغياب رئيس للجمهورية، في ظل اصطفافات داخلية حالت دون التوصل إلى توافق سياسي.
ويعتبر محللون، أن استمرار الوضع على ما هو عليه يفاقم العزلة الدولية، ويعيق فرص التعافي الاقتصادي، ما يدفع قطاعات واسعة من اللبنانيين إلى المطالبة باستعادة القرار السيادي، وفصل الدولة عن أي محاور إقليمية ذات طابع عسكري أو أيديولوجي.
جنوب سوريا.. احتجاجات تتجاوز البعد المحلي
في سوريا، لا سيما في محافظة السويداء، تتواصل الاحتجاجات المناهضة للنظام، والتي بدأت على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية، ثم تحوّلت إلى مطالبات سياسية تطالب بتغيير جذري في منظومة الحكم.
ويأتي هذا في وقت تتراجع فيه قدرة النظام على ضبط الأوضاع في مناطق واسعة، وسط تحديات اقتصادية متفاقمة وانحسار الدعم الخارجي.
وتشير تقارير، أن النفوذ الإيراني في سوريا، والذي تكرس منذ اندلاع النزاع عام 2011، يواجه اختبارات جدية، في ظل تراجع الدعم الشعبي لأي وجود خارجي مُسلح، وارتفاع منسوب التوتر بين القوات النظامية وبعض الميليشيات الحليفة لطهران.
مشروع إيران الإقليمي.. تحديات متصاعدة
على المستوى الإقليمي، تواجه طهران تحديات متزايدة في الحفاظ على نفوذها داخل دول المحور، نتيجة التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، وتزايد الضغوط الغربية، وتصاعد الحركات الشعبية المعارضة للوجود الإيراني المسلح في عدد من الدول العربية.
وبحسب تقارير مراكز بحثية، فإن إيران اعتمدت على نمط متكرر في كل من لبنان وسوريا، يتمثل في دعم جماعات مسلحة توازي أو تتجاوز الدولة، مع التركيز على فرض أمر واقع أمني وعسكري يسمح بالتحكم في القرار السياسي المحلي.
ورغم تصاعد التحركات الشعبية والمواقف السياسية الرافضة للنفوذ الإيراني، فإن غياب مشروع سياسي موحّد لدى القوى المناهضة، والانقسامات الداخلية العميقة، يفرضان تحديات إضافية أمام أي عملية تغيير شاملة.
كما أن استمرار الأزمات الاقتصادية، وتدخل أطراف دولية متضاربة المصالح، يزيد من تعقيد المشهدين اللبناني والسوري.
ويرى مراقبون، أن أي تراجع فعلي في الدور الإيراني يتطلب توافقًا محليًا على أولويات وطنية واضحة، وتفعيل الأطر الدستورية والمؤسساتية، إلى جانب موقف إقليمي ودولي داعم لعملية الانتقال السياسي.