في تطور عسكري خطير يُنذر بتداعيات إنسانية وجيوسياسية واسعة، شنت إسرائيل سلسلة غارات جوية مكثفة على مطار صنعاء الدولي ومناطق أخرى في العاصمة اليمنية، وذلك بعد ساعات من قصفها مواقع حيوية في محافظة الحديدة على الساحل الغربي للبلاد.
ووفق ما أعلنه الجيش الإسرائيلي، فقد تم تعطيل مطار صنعاء بالكامل، وهو ما أكده شهود عيان تحدثوا عن تدمير شامل للطائرات المدنية وصالة المطار، إضافة إلى استهداف محطات كهرباء ومرافق بنى تحتية أخرى، كما طالت الغارات محطة كهرباء حزيز المركزية بمديرية سنحان، ومحطة كهرباء ذهبان، إلى جانب قصف عنيف على منطقة عطان جنوب غرب العاصمة.
رسائل نارية وتحذيرات مسبقة
وقبيل القصف، أصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرًا استباقيًا دعا فيه المدنيين إلى مغادرة محيط مطار صنعاء فورًا، مرفقًا بيانًا بخريطة تفصيلية.
وذكر البيان: أن “عدم الإخلاء والابتعاد عن المكان يعرضكم للخطر”، في خطوة وُصفت بأنها نادرة من حيث الشكل والمضمون في إطار الصراع اليمني – الإسرائيلي المتصاعد.
وفي المقابل، أكدت مصادر إعلامية إسرائيلية، بينها القناة 12، أن الهجوم تم بالتنسيق الكامل مع الإدارة الأميركية “على المستويين السياسي والعسكري”؛ ما يعكس بُعدًا دوليًا متناميًا في استهداف العمق اليمني الخاضع لسيطرة الحوثيين.
هل بتجه اليمن نحو العزلة؟
وبحسب تحليلات مراقبين ميدانيين، فإن تدمير مطار صنعاء لم يكن مجرد ضربة عسكرية تكتيكية، بل خطوة استراتيجية نحو خنق المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وإغلاق ما تبقى من نوافذ اليمن إلى العالم الخارجي، مشيرين أن استهداف المطار، في ظل غياب بدائل جوية في شمال البلاد، قد يُدخل اليمن فعليًا في مرحلة “العزلة التامة” عن الإمدادات الإنسانية والدبلوماسية.
وتُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تهدف إلى قطع خطوط الدعم اللوجستي والإمدادات التي تصل إلى الحوثيين من الخارج، أم أن الأمر مرتبط بتوسيع ساحة المواجهة ضمن الحرب المفتوحة مع محور طهران.
وفي الوقت نفسه، يرى محللون أن سلوك الحوثيين في إدارة المناطق الخاضعة لهم، وتعمدهم عسكرة البنية التحتية المدنية، يمنح خصومهم ذرائع متكررة لاستهداف هذه المنشآت، مما يُفاقم من عزلة اليمنيين ويجعلهم ضحايا لصراع تتجاوز حساباته الحدود الوطنية.
إعادة هندسة الصراع
وبالتزامن مع الغارات، أفاد شهود عيان في صنعاء عن طوابير طويلة أمام محطات الوقود ومراكز بيع الغاز، في مشهد يعيد إلى الأذهان الأزمات المتكررة التي تعصف بسكان العاصمة في كل تصعيد كبير.
ويخشى مراقبون من أن تكون هذه التطورات مؤشرًا على توجه نحو “تجفيف شامل” لمقومات الحياة في صنعاء ومحيطها، ضمن استراتيجية خنق اقتصادي وعسكري في آن واحد.
ويشير بعض المحللين، أن إسرائيل تسعى من خلال هذا التصعيد إلى إعادة رسم معادلات الاشتباك في المنطقة، وفرض قواعد ردع جديدة في وجه التهديدات التي تمثلها جماعة الحوثي، التي كثفت من هجماتها على أهداف بحرية وعسكرية منذ بدء الحرب في غزة.
صمت دولي وتوقعات بالتصعيد
ورغم ضخامة الضربة، يلاحظ مراقبون غياب موقف دولي حازم تجاه القصف، ما يعكس على الأرجح قبولًا ضمنيًا من بعض القوى الكبرى بتوسيع رقعة العمليات في اليمن، شريطة أن تبقى تحت سقف السيطرة وعدم الانفلات.
وفي المقابل، تبدو جماعة الحوثي أمام اختبار صعب فإما التصعيد والرد على الهجوم، ما قد يفتح بابًا لمواجهة إقليمية مفتوحة، أو التريث في سياق حسابات أوسع تتعلق بمستقبل التفاوض الإقليمي والدولي.
لذا فالهجوم الإسرائيلي على مطار صنعاء لا يقتصر على رسائل عسكرية، بل يحمل أبعادًا تتعلق بإعادة هندسة الصراع اليمني وتحديد من يملك مفاتيح العزلة والانفتاح. وبينما تُدفع صنعاء نحو ظلام العزلة، يظل المدنيون هم من يدفعون الثمن في النهاية.