منذ السابع من أكتوبر الماضي، حينما بدأت حرب غزة وتردد إسرائيل كثيرًا أنها لن تتوقف عن المعارك إلا بالقضاء على حركة حماس الفلسطينية وتصفية قادتها تمامًا، حيث تعلن بين الحين والآخر قربها من ذلك الهدف، ولكن وجود “حماس” كقوة قادرة على شن هجمات على طريقة حرب العصابات ونفوذها في قطاع غزة قد يلقي بظلاله على أي اتفاق، فبعد تسعة أشهر من الضربات العنيفة التي يشنها أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، أصبحت الحركة أضعف بكثير من القوة التي نفذت الهجوم على إسرائيل عبر الحدود في السابع من أكتوبر 2023.
وفي بداية الحرب كانت مقاطع الفيديو الدعائية لـ”حماس” تظهر مقاتلين مدربين تدريبًا عاليًا بدروع واقية وملابس عسكرية يلفون أحزمة الذخيرة حول أجسادهم. أما الآن فتظهر في مقاطع الفيديو مجموعات صغيرة من المسلحين، يرتدون قمصانًا وينتعلون أحذية رياضية، يشنون هجمات خاطفة في شوارع غزة التي دمّرها القصف.
وفي أحدث تلك التصريحات، قال مسؤولون كبار في الحكومة الإسرائيلية إن تل أبيب تقترب من تحقيق أهداف حربها المتمثلة في هزيمة حركة “حماس” عسكريًا وإعادة الرهائن الذين خطفوا في السابع من أكتوبر 2023، وتحدثت “رويترز” مع ثلاثة مصادر مطلعة على تكتيكات “حماس” واثنين من مسلحي الحركة السابقين وثلاثة مسؤولين فلسطينيين ومصدرين عسكريين إسرائيليين ومسؤول دفاعي إسرائيلي، بهدف إلقاء الضوء على خسائر الحركة واستراتيجيتها.
وقال مصدران إسرائيليان وآخران فلسطينيان إن شبكة الاتصالات التي بنتها “حماس” قبل الحرب تضررت بشدة. وأضاف المصدران الفلسطينيان أن ذلك أدى إلى تفكك قيادتها واعتمادها على الرسائل التي يتم تسليمها شخصيًا لتجنب المراقبة الإسرائيلية.
وقال مصدر فلسطيني مطلع على التكتيكات العسكرية لـ”حماس” إن الخسائر البشرية وتدمير شبكة الاتصالات أديا إلى انهيار عملية اتخاذ القرار مركزيًا، كما يقول الجيش الإسرائيلي إن قسمًا كبيرًا من شبكة الأنفاق الضخمة تحت غزة قد دُمر أو لم يعد صالحًا للاستخدام.
لكن التكتيكات الحربية التي تبنتها خلايا “حماس” في الأسابيع الأخيرة تستهدف ببساطة ضمان بقاء الحركة وتقييد القوات الإسرائيلية وإلحاق خسائر بها، بحسب مصدر فلسطيني آخر مطلع على التكتيكات العسكرية لـ”حماس”.
فيما يرى محللون أن إسرائيل ليست قريبة من تدمير “حماس” ومصير قائدها العسكري محمد الضيف موضع شك2023، وتحدثت “رويترز” مع ثلاثة مصادر مطلعة على تكتيكات “حماس” واثنين من مسلحي الحركة السابقين وثلاثة مسؤولين فلسطينيين ومصدرين عسكريين إسرائيليين ومسؤول دفاعي إسرائيلي، بهدف إلقاء الضوء على خسائر الحركة واستراتيجيتها.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الثلاثاء الماضي في كلمة لجنود بمدينة رفح جنوب قطاع غزة إن إسرائيل تقترب من هزيمة “حماس” عسكريًا، بحسب بيان أصدره مكتبه. وأضاف غالانت للجنود “نعمل على القضاء على ‘حماس’ كمنظمة عسكرية، نعمل على إيجاد وضع يسمح لنا بإبرام صفقة لتحرير رهائننا”.
وبحسب إحصاءات إسرائيلية، احتجزت “حماس” نحو 250 رهينة خلال هجوم السابع من أكتوبر وقتلت 1200 شخص. ولا تزال الحركة وجماعات مسلحة أخرى تحتجز 115 رهينة، وأعلنت السلطات الإسرائيلية غيابيًا وفاة نحو ثلثهم.
وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في كلمة أمام الكونجرس الأميركي خلال زيارة لواشنطن الأربعاء الماضي إطلاق سراح الرهائن قريباً، وطرح رؤية لما بعد الحرب في شأن “غزة منزوعة السلاح وخالية من التطرف” بقيادة فلسطينيين لا يسعون إلى تدمير إسرائيل.
ورفضت “حماس” تصريحات نتنياهو ووصفتها بأنها “محض أكاذيب” واتهمت الزعيم الإسرائيلي بإفشال المفاوضات التي تستهدف إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، وفقاً لمقترح من الرئيس الأميركي جو بايدن في مايو (أيار) وبوساطة مصر وقطر.
وقال نتنياهو إن النصر لن يتحقق إلا عندما يتم القضاء
على قدرات “حماس” العسكرية وقدرتها على الحكم وعندما يصبح القطاع غير قادر على تشكيل تهديد جديد لإسرائيل.
ويدعو الميثاق التأسيسي لـ”حماس” عام 1987 إلى تدمير إسرائيل. وقامت الحركة بعد ذلك التاريخ بتنفيذ تفجيرات انتحارية في مدن إسرائيلية، وأقامت بمساعدة إيران ترسانة من الصواريخ التي أطلقتها على إسرائيل في صراعات متكررة.
وتصر “حماس” على أن هيكلها القيادي، على رغم الخسائر، ما زال موجودًا وإن كان ضعيفًا.
وقال رئيس الدائرة السياسية لـ”حماس” بالخارج سامي أبو زهري: إن روايات إسرائيل تضخم خسائر الحركة. وأضاف “هذه محاولة لصناعة إنجاز مزيف، الحقائق على الأرض مختلفة تمامًا”.
وفي بيان في الـ16 من يوليو (تموز) الجاري بمناسبة مرور تسعة أشهر من الحرب، قال الجيش الإسرائيلي إنه قتل أو اعتقل ما لا يقل عن 14 ألفًا من مقاتلي “حماس” من أصل ما بين 30 و٤٠ ألفًا تقريبًا في الحركة عند اندلاع الصراع.
وتقول إسرائيل إن 326 فقط من جنودها قتلوا في غزة منذ بدء الهجوم البري، أي أكثر بقليل من نحو 300 قتلوا في يوم واحد خلال هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر.
ويقول الجيش الإسرائيلي أيضًا إنه قضى على نصف قيادات كتائب القسام، الجناح العسكري لـ”حماس”، وإنه يلاحق كبار قادة الحركة في إطار هدفه لتفكيك قدراتها.
واستهدفت غارة جوية إسرائيلية على منطقة كان يفترض أنها منطقة آمنة في جنوب قطاع غزة في الـ13 من يوليو القائد العسكري لـ”حماس” محمد الضيف الذي تقول إسرائيل إنه العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن ما لا يقل عن 90 فلسطينيًا قتلوا في الغارة.
وقال كبير المتحدثين العسكريين باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاغاري في الـ19 من يوليو إن هناك علامات متزايدة على مقتل الضيف ورافع سلامة، وهو قيادي كبير آخر في “حماس” يعتقد مسؤولون إسرائيليون أنه كان جالسًا إلى جوار الضيف في ذلك الوقت ولقي حتفه أيضًا.
وتؤكد مصادر فلسطينية مقتل عدد من القادة العسكريين البارزين في “حماس”، من بينهم أيمن نوفل وأحمد الغندور، وكلاهما عضو في المجلس العسكري الأعلى، وهو الجهة العليا لاتخاذ القرارات في الجناح المسلح للحركة. وقتل أيضًا في لبنان صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لها.
لكن مقاتلي “حماس” نجحوا في إعادة القوات الإسرائيلية من جديد إلى القتال في نفس المناطق من قطاع غزة مرارًا، على غرار القتال في خان يونس هذا الأسبوع، ليمنعوا إسرائيل من إعلان انتصار يقول نتنياهو إنه عازم على تحقيقه.
وقال ميخائيل ميلشطاين الضابط السابق في الاستخبارات الحربية الإسرائيلية إن إسرائيل تحتاج إلى مزيد من القوات على الأرض في مزيد من مناطق غزة لتحقيق هدفها في القضاء على “حماس”.
وأضاف ميلشطاين الذي يترأس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا ومقره تل أبيب، “نحن بعيدون للغاية من هدف القضاء على حكومة ‘حماس’ وقدراتها العسكرية. لسنا قريبين حقًا من ذلك”، لكنه أشار إلى أن أي انتصار عسكري سينطوي على تجاهل للنفوذ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للحركة. وتابع “نواصل التعامل مع عدو متعدد الأبعاد في سلوكه على أنه تهديد عسكري فحسب”.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي بعد على طلب للتعليق. واستدعت إسرائيل نحو 300 ألف من قوات الاحتياط لشن هجومها على غزة، وهي أكبر تعبئة للجيش الإسرائيلي منذ عقود. وبدأ في تسريحهم بعد نحو أربعة أشهر.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه بمجرد قضاء القوات الإسرائيلية على كتائب “حماس” المتبقية في رفح، ستصبح غزة بأكملها أساسًا بالمرحلة الثالثة.
واستنفدت ترسانة “حماس” من الصواريخ والقذائف التي قدرت سابقاً بنحو 15 ألفًا إلى 30 ألف صاروخ.
وتشير تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق 13 ألف صاروخ في الأقل، كما استولى على مخابئ للقذائف أثناء اجتياحه لكل مدينة تقريبًا في غزة.
وقال كوبي مايكل، من معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، إن “حماس” لم تعد جيشًا مؤسسيًا مقسمًا إلى وحدات عسكرية تقليدية، يملك قدرات لتصنيع الأسلحة والتدريب والاستخبارات وقدرات جوية وبحرية وسيبرانية.
وأضاف مايكل “يتعين علينا مواصلة (الحملة) حتى تصبح حماس عاجزة عن إعادة البناء”، مشيرًا إلى الحاجة لأن يتمتع الجيش الإسرائيلي بإمكانية دخول غزة حتى بعد الحرب لتنفيذ عمليات تستهدف أي خلايا مسلحة متبقية. وأشار إلى أنه “يجرى الآن وضع أساس لكي يعمل جيش الدفاع الإسرائيلي على غرار الطريقة التي يعمل بها في الضفة الغربية. لم نبلغ ذلك بعد”، لكن مصدرًا مقربًا من “حماس” قال إن الجماعة تستعد منذ سنوات لاحتمال اضطرارها للتحول إلى طريقة حرب العصابات للصمود في صراع مع إسرائيل.
وأضاف المصدر أن العمليات الرئيسة، ومن بينها مصنع لإنتاج القنابل والأسلحة الأخرى، ما زالت مستمرة.
وقال مصدر آخر مطلع على خطط “حماس” إن أفرادًا جددًا ينضمون باستمرار إلى الجناح العسكري للحركة، كما سمح التحول إلى حرب العصابات للجماعة باحتواء الخسائر.
وقال متخصصون ومصدران مقربان من “حماس” إن شبكة الأنفاق ما زالت تحول دون تحقيق هدف إسرائيل في القضاء على الحركة حتى بعد أن تعرضت له من دمار أو تعطيل.
وقال مسلح سابق من “حماس” مطلع على عمليات الحركة إن مقاتليها يظهرون ليدمروا دبابة على سبيل المثال، ثم يختفون ليظهروا في نفق آخر. وأوضح “يظهرون من عين نفق ليدمروا دبابة أو يجهزوا كمينًا لأخرى قبل أن يختفوا إلى حين يعاودوا الظهور مرة ثانية من عين نفق آخر”.
وتقول مصادر قريبة من الجماعة إن بعض الأنفاق الجديدة يتم حفرها يدويًا. ولم تتمكن “رويترز” من التحقق من ذلك من مصدر مستقل.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي الإثنين الماضي إنه على رغم تدمير كثير من البنية التحتية العسكرية لـ”حماس”، بما في ذلك الأنفاق، ما زال هناك الكثير الذي يتعين القيام به.